جريمـة العصيان.
للإحاطة بجريمة العصيان المنظمة بالقسم الأوّل من الباب الرابع من الكتاب الثاني وبالفصول 116 إلى 124 من المجلّة الجنائية الواقعة على أعوان السلطة العامّة من أفراد الناس سنتناول العناصر المكوّنة لجريمة العصيان صلب (فقرة أولى) لنتحدث عن زجر الجريمة في (فقرة ثانية).
الفقـرة الأولى : العناصر المكوّنة لجريمة العصيان.
إنطلاقا مـن الفصول 116 إلى 124 من المجلّة الجنائيّة لم يعرّف المشرّع التونسي جريمـة العصيان وإكتفى بتحديـد العناصر المكوّنة لهـا والمتمثلـة في الركن المـادي (أ) وصفة المجني عليه (ب) وتأدية الوظيفة بصفة قانونية (ج) والـركن المعنوي (د).
أ- الركـن المـادّي.
عرّف الأستاذ بلقاسم القروي الشابي العصيان بأنّه "عدم الإمتثال لممثلي السلطة العامّة بكيفيّة عنيفـة ".
تجدر الملاحظة على صعيد تسمية هذه الجريمة، أنّ القانون المصري لم يضع أحكاما خاصّة لجريمة العصيان. بل إكتفى بالأحكام التي وضعها للتعدّي الذي يقع على الموظفين العموميين أثناء تأدية وظائفهم أيّا كان الغرض من هذا التعدّي .
أمّا المشرّع الفرنسي، فقد تخلّى صلب المجلّة الجنائيّة الجديدة وبالتحديد في الفصول 433.6 إلى 433.10 المتعلّقة بجريمة العصيان عن إستعمال عبارة التّصدي التي كان ينصّ عليها بالفصل 209 من المجلّة الجنائيّة القديمة .
تقتضي المقاومة والتّصدي لأعوان السلط العامّة القيام بأفعال إيجابيّة تتمثل حسب أحكام الفصل 116 وما بعده من المجلّة الجنائيّة في إستعمال وسائل العنف إذ لا وجود لجريمة العصيان السلبي أي عدم الامتثال لأوامر السلطة العامّة دون إستعمال العنف، إذ أنّ ذلك يكوّن مخالفة على معنى الفصل 345 من المجلّة الجنائيّة. لذلك فإنّ الركن المادّي لجريمة العصيان، يتجسّد ماديّا، بصدور أفعال إيجابيّة من الجاني أو الجناة في صورة التعدّد. تتمثل في إستعمال العنف والتهديد به ضدّ أعوان السلطة العامّة سواء كانت سلطة تنفيذ مدني، أو غيرها من السلط المكلّفة بخدمة عامّة في الدولة.
لكن قد يطرح إشكال يتمثل في معرفة هل أنّ كلّ تهديد لموظف عمومي أو شبهه يمكن أن تتكوّن منه جريمة العصيان؟
في الحقيقة، لم يعرّف المشرّع التونسي صلب المجلّة الجنائية التهديد. إنّما إكتفى بإعتباره فعل معاقب عليه جزائيا؛ وذلك بالفصلين 222 و223 من المجلة الجنائية. في هذا السياق عرّف الأستاذ رؤوف عبيد، التهديد بكونه "توجيه عبارة أو ما في حكمها إلى المجني عليه. كأن يكون من شأنها إحداث الخوف عنده من إرتكاب جريمة أو إفشاء أمور مخدشة للشرف إذا وجّهت بالطريقة التي يعاقب عليها القانون" .
إعتبرت محكمـة التعـقيب التـونسية في قـرارها عدد 11131 بتـاريخ 26 جانفي 1976 أنّ التهديد المعاقب عليه هو التهديد الجدّي لا التهديد الشفوي البسيط.
كما إعتبر فقه القضاء الفرنسي، أنّ تهديد عدل التنفيذ المكلّف بتنفيذ الأحكام يكوّن جريمة العصيان .
لكن يمكن أن يطرح إشكال بخصوص تكيّف الجريمة هل أنّها عصيان أم هضم جانب موظف إنطلاقا من الصورة الواقعيّة التالية : يتوجّه عدل التنفيذ إلى محل التنفيذ وفي أثناء يتوّلى المحكوم ضدّه، تهديد عدل التنفيذ والإعتداء عليه بالعنف. فهل تقع مقاضاته من أجل جريمتي العصيان وهضم جانب شبه موظف أو من أجل الجريمة الأشد عقابا؟
لقد أجابت محكمة التعقيب التونسية عن هذا المشكل في قرارها التعقيبي الجزائي عدد 683 مؤرّخ في 10 ماي 1976 معتبرة أنّ جريمتي التعاصي وهضم الجانب تعتبران مستقلتين عن بعضهما، وللمحكمة أن تسلّط لكلتيهما عقابا مستقلاّ إذ لا وجود للتشعّب .
على هذا الأساس فإنّ تكييف الإعتداء الواقع على السلطة العامّة سواء كانت سلطة تنفيذ مدني أو غيرها. تتوّلى تنفيذ القوانين أو السندات التنفيذيّة هي مسألة موضوعيّة. تخضع لإجتهاد محكمة الموضوع ولرقابة محكمة التعقيب من حيث تطبيق نصّ الجريمة.
يكتسي الركن المادّي لجريمة العصيان طابعا خاصا، يتمثل في أنّه يرتكب دائما ضدّ أحد أعوان السلطة العامّة الذين يتولّون تنفيذ الأوامر.
ب- صفة المجني عليـه.
ينصّ الفصل 116 من المجلّة الجنائية، على أنّه "يعاقب بالسجن مدّة ستة أشهر وبخطيّة قدرها مائتا فرنك كلّ من يعتدي بالعنف أو يهدّد به للتطاول على موظف مباشر لوظيفته بوجه قانوني أو على كلّ إنسان إستنجد بوجه قانوني لإعانة ذلك الموظف".
يؤخذ من هذا النصّ، أنّ المشرّع حدّد صفة المجني عليه في جريمة العصيان في شخص الموظف المباشر لوظيفته بصفة قانونية. كما سحب صفة المجني عليه في جريمة العصيان أيضا، على كلّ إنسان يعاون بوجه قانوني ذلك الموظف.
يثير هذا التحديد التشريعي لشخص المجني عليه، في جريمة العصيان الملاحظتين الآتيتين :
• الملاحظـة الأولى :
لم يعتمد المشرّع التونسي، صلب الفصل 116 من المجلة الجنائية، على قائمة تفصيلية ونهائية للأشخاص المجني عليهم، في جريمة العصيان. بخلاف المشرّع الفرنسي، الذي حصر صلب المجلّة الجنائية القديمة وتحديدا ضمن الفصل 209 المذكور أشخاص المجني عليهم في جريمة العصيان، في موظفي النيابة العمومية، أعوان القوّة العامّة، أعوان التراتيب الجبائية والأداء، حاملي بطاقات الجبر، الخبراء، موظفو أو أعوان الضابطة العدليّة والضابطة الإداريّة، حرّاس الحقول أو الغابات وأعوان الديوانة .
غير أنّ المشرّع الفرنسي تخلّى، عند تحريره للمجلّة الجنائية الجديدة عن الصياغة التي أوردها صلب الفصل 209 من المجلّة الجنائية القديمة. حيث إكتفى بوضع معيارين أساسيين، لتحديد صفة المجني عليهم في جريمة العصيان. هما الشخص المكلّف بمصلحة عامـة، والشخص صاحب السلطة العامة، حتى يضمن الحماية الكافية لكلّ الأشخاص المكلّفين بمهمّة تنفيذ القوانين والسندات التنفيذيّة القضائية والإدارية. نظرا لأنّ جريمة العصيان لا تقع إلاّ ضدّ هؤلاء الأفراد عند التنفيذ وهو ما يبرز الصبغة التنفيذيّة لجريمة العصيان من هذه الناحية.
• الملاحظـة الثانية :
بالرجوع إلى أحكام الفصل 116 من المجلّة الجنائية، يبدو أنّ المشرّع التونسي لم يضبط بصفة دقيقة ونهائيّة صفة الأشخاص المعرّضين لجريمة العصيان. إذ إعتبر أنّ المجني عليه الذي ترتكب ضدّه جريمة العصيان. يكون مبدئيا موظفا وبصورة عامّة كلّ إنسان وقع الاستنجاد به، بصفة قانونيّة لإعانة ذلك الموظف.
فإذا كانت صفة الموظف سهلة التحديد، بالنسبة للمجني عليه لمّا يكون موظفا. إذ يكفي الرجوع للنظام الوظيفي، الذي يخضع له المجني عليه في جريمة العصيان، للتحّقق من توّفر صفة الموظف أو إنعدامها.