توريث الخنثى :
قال في منار السبيل : نقل ابن حزم الإجماع على توريثه.
وقال في تفسير القرطبي : وأجمع العلماء على أنه يُورَّث من حيث يبول؛ إن بال من حيث يبول الرجل وَرِث ميراث رجل، وإن بال من حيث تبول المرأة وَرِث ميراثَ المرأة.
قال في المغني : وحكمه في إرثه وسائر أحكامه حكم ما ظهرت علاماته فيه ويعتبر بمباله في قول من بلغنا قوله من أهل العلم، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول إن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل وإن بال من حيث تبول المرأة فهو امرأة، وممن روي عنه ذلك علي ومعاوية وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد وأهل الكوفة وسائر أهل العلم.
الخنثى يرث بالجملة فإذا عرف حاله بعلامة مميزة ورث حسب حاله ولا خلاف بين العلماء في توريثه فما هي علامات الذكورة والأنوثة :-
قال في المجموع : فإن عرف أنه ذكر ورث ميراث ذكر وإن عرف أنه أنثى ورث ميراث أنثى، وإن لم يعرف فهو الخنثى المشكل .
قال في حاشية الدسوقي : إن اتضحت ذكورته أخذ ميراث ذكر وإن اتضحت أنوثته أخذ ميراث أنثى
أولاً : قبل البلوغ :
قال في تحفة الفقهاء : والشرع جعل العلامة الفاصلة بينهما، قبل البلوغ، هو المبال، على ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال: « الخنثى يورث من حيث يبول» فلما جعل الأمارة هذا في حق الإِرث، فكذا في حق الأحكام التي تختص بالخنثى يجب أن يكون هو العلامة.
فإن كان يبول من مبال الرجال، فهو ذكر. وإِن كان يبول من مبال النساء، فهو أنثى .
وقال في المغني : قال ابن اللبان: روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن النبيّ سئل عن مولود له قبل وذكر من أين يورث؟ قال: «من حيث يبول» وروي أنه عليه السلام أتي بخنثى من الأنصار فقال: «ورثوه من أول ما يبول منه» ولأن خروج البول أعم العلامات لوجودها من الصغير والكبير وسائر العلامات إنما يوجد بعد الكبر .
قال في حاشية ابن عابدين : فإن بال من الذكر فغلام، وإن بال من الفرج فأنثى .
قال في بدائع الصنائع : أما العلامة في حالة الصغر فالمبال، لقوله عليه الصلاة والسلام: «الخُنثى مِنْ حَيْثُ يَبُولُ» فإن كان يبول من مبال الذكور فهو ذكر، وإن كان يبول من مبال النساء فهو أنثى .
فإن لم يتضح حاله في صغره قبل البلوغ فحينئذ يكون خنثى مشكل وله حالتين .
أحوال الخنثى المشكل :-
للخنثى المشكل حالتان هما :-
الحالة الأولى : أن يرجى إتضاح حاله .
الحالة الثانية : أن لا يرجى إتضاح حاله كمن مات وهو صغير أو بلغ ولم يتضح حاله .
قال في المجموع : فالخنثى ضربان:
أحدهما: وهو المشهور، أن يكون له ذكر الرجال، وفرج النساء.
والثاني: أن لا يكون له واحد منهما، بل له ثقبة يخرج منها الخارج، ولا تشبه فرج رجل ولا امرأة. وقالوا عن الثاني: انه مشكل، يوقف أمره حتى يبلغ.
العلامات التي يتضح بها حال الخنثى المشكل :-
البول :-
البول من العلامات المميزة وله ثلاثة اعتبارات هي :-
الأولى : خروجه من أحدى الآلتين دون الأخرى .
الثانية : سبق خروجه من أحدى الآلتين دون الأخرى .
الثالثة : كثرة خروجه من أحدى الآلتين دون الأخرى .
الحالة الأولى : خروجه من أحدى الآلتين دون الأخرى .
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول إن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل وإن بال من حيث تبول المرأة فهو امرأة .
قال في المغني : لأن خروج البول أعم العلامات لوجودها من الصغير والكبير وسائر العلامات إنما يوجد بعد الكبر .
قال في الكافي : يعتبر بمباله، لأنه قد جاء في الأثر يورث الخنثى من حيث يبول، ولأنها أعم علاماته، لأنها توجد في الصغير والكبير، وقد أجرى الله العادة، أن الذكر يبول من ذكره، والانثى من فرجها، فاعتبر ذلك. فإن بال من حيث يبول الرجل، فهو ذكر، وإن بال من حيث تبول المرأة، فله حكم المرأة .
الحالة الثانية : سبق خروجه من أحدى الآلتين دون الأخرى .
فإن بال منهما جميعاً :-
فالحكم إن بال منهما للأَسْبق وبذلك قال علماء الفرائض منهم الإئمة الأربعة .
لأن سبق البول من أحدهما يدل على أنه هو المخرج الأصلي وإن الخروج من الآخر بطريق الانحراف عنه
ذكر أقوال العلماء :-
الطبري : وروى قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال في الخنثى: يُوَرِّثُهُ من حيث يبول؛ فإن بال منهما جميعاً فمن أيّهما سبق،
الغني : وإن بال منهما جميعاً اعتبرنا أسبقهما
قال في حاشية ابن عابدين : وإن بال منهما فالحكم للأَسْبق
بدائع الصنائع : وإن كان يبول منهما جميعاً يحكم السبق، لأن سبق البول من أحدهما يدل على أنه هو المخرج الأصلي وإن الخروج من الآخر بطريق الانحراف عنه.
تحفة الفقهاء وإِن كان يبول منهما جميعاً، فالحكم للأسبق منهما .
الكافي : فإن بال منهما، اعتبر بأسبقهما فإن خرجا في حال واحدة، اعتبر أكثرهما .
قال في المجموع : إذا كان يتقدّم أحدهما على الآخر، ففي الابتداء هو للمتقدم .
قال الطبري: قال ابن شاس في جواهره الثمينة، على مذهب مالك عالم المدينة: الخنثى يعتبر إذا كان ذا فرجين فرج المرأة وفرج الرجل بالمبَال منهما؛ فيُعطى الحكم لِمَا بال منه، فإن بال منهما اعتبرت الكثرة من أيّهما فإن تساوى الحال أُعتبر السبق.
فهو يقدم الكثرة على السبق .
الحالة الثالثة : كثرة خروجه من أحدى الآلتين دون الأخرى .
إن استويا في السبق :-
للفقهاء في هذه المسألة قولين هي :-
القول الأول : يرث من المكان الذي ينزل منه أكثر وهذا قول الحنابلة في المذهب والمالكية وصاحبي أبو حنيفة وقول للشافعية
قال في المغني : فإن خرجاً معاً ولم يسبق أحدهما فقال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم: يرث من المكان الذي ينزل منه أكثر. وحكي هذا عن الأوزاعي وصاحبي أبي حنيفة .
لأن الأكثر أقوى في الدلالة على أنه العضو الأصلي ولأن حكم الكل يترجح بالأكثر .
قال في التاج والأكليل : فإن بال منهما جميعاً نظر إلى أيهما أكثر فله الحكم .
وقال في المجموع : وكان أحدهما أكثر وزناً، فوجهان: أحدهما: يحكم بأكثرهما، وهو نصّ الشافعي في الجامع الكبير للمزني ومذهب أبي يوسف، ومحمد بن الحسن.
والثاني: وهو الأصح، ولا دلالة فيه، وصحّحه البغوي والرافعي، وقطع به صاحب «الحاوي» في الفرائض، وإمام الحرمين، وهو مذهب أبي حنيفة والأوزاعي.
قال في مختصر خليل : فَإِنْ بَالَ مِنْ وَاحِدٍ، أَوْ كَانَ أَكْبَرَ، أَوْ أَسْبَقَ، أَوْ نَبَتَتْ لَهُ لِـحْيَةٌ، أَوْ ثَدْيٌ، أَوْ حَصَلَ حَيْضٌ، أَوْ مَنِـيٌّ، فَلاَ إِشْكَالَ.
قال في بدائع الصنائع : وقال أبو يوسف ومحمد: تحكم الكثرة لأنها في الدلالة على المخرج الأصلي كالسبق فيجوز تحكيمه
القول الثاني : إن خرجاً معاً ولم يسبق أحدهما فمشكل ولا تعتبر الكثرة. وهذا قول أبو حنيفة وقول للشافعية وقول للحنابلة .
قال في بدائع الصنائع : وإن كان لا يسبق أحدهما الآخر، فتوقف أبو حنيفة رضي الله عنه وقال: هو خنثى مشكل. وهذا من كمال فقه أبـي حنيفة رضي الله عنه لأن التوقف عند عدم الدليل واجب . وقال أيضاً : وجه قول أبـي حنيفة عليه الرحمة: أن كثرة البول وقلته لسعة المحل وضيقه فلا يصلح للفصل بين الذكورة والأنوثة بخلاف السبق. وحكي أنه لما بلغ أبا حنيفة قول أبـي يوسف في تحكيم الكثرة لم يرض به وقال وهل رأيت حاكماً يزن البول؟
قال ابن عابدين : وإن استويا فمشكل ولا تعتبر الكثرة خلافاً لهما - أي صاحبا أبي حنيفة
وقال في المجموع : وكان أحدهما أكثر وزناً، فوجهان: أحدهما: يحكم بأكثرهما، وهو نصّ الشافعي في الجامع الكبير للمزني ومذهب أبي يوسف، ومحمد بن الحسن.
والثاني: وهو الأصح، ولا دلالة فيه، وصحّحه البغوي والرافعي، وقطع به صاحب «الحاوي» في الفرائض، وإمام الحرمين، وهو مذهب أبي حنيفة والأوزاعي .
مسألة : إذا لم يتضح أمر الخنثى بالبول فما الحكم ؟
للعلماء في ذلك ثلاثة أقوال :
الأول : يوقف الأمر حتى يبلغ فيتبين فيه علامات الرجال أو علامات النساء وهذا قول جمهور العلماء
القول الثاني : تعد أضلاعه فإن أضلاع المرأة أكثر من أضلاع الرجل بضلع وحكي هذا عن علي والحسن ووجه عند بعض الشافعية .
قال القرطبي في حديثه عن خلق حواء : ومن هذا الباب استدل العلماء على ميراث الخنثى المُشْكل إذا تساوت فيه علامات النساء والرجال من اللِّحية والثَّدْي والمبال بنقص الأعضاء. فإن نقصت أضلاعه عن أضلاع المرأة أُعْطيَ نصيب رجل ـ روي ذلك عن عليّ رضي الله عنه ـ لخلق حوّاءَ من أحد أضلاعه .
قال ابن اللبان: فلو صح هذا لما أشكل حاله ولما احتج إلى مراعاة المبال .
وقال في المجموع : وأمّا عدد الأضلاع، ففيه وجهان:
أحدهما: ويعتبر، فإن كانت أضلاعه من الجانب الأيسر ناقصة ضلعاً، فهو رجل. وإن تساوت أضلاعه من الجانبين، فهو امرأة.
والثاني: لا دلالة فيه، وهو الصحيح، وبه قطع صاحب «الحاوي» والأكثرون، وصححه الباقون، لأن هذا لا أصل له في كتب الشرع ولا في كتب التشريح.
القول الثالث : يوقف إلى جنب حائط فإن بال عليه فهو رجل وإن شلشل بين فخذيه فهو امرأة وبه قال جابر بن زيد
قال في المغني : وليس على هذا تعويل .
الراجح : القول الأول وهو التوقف حتى البلوغ
قال في المغني : والصحيح ما ذكرناه إن شاء الله تعالى وأنه يوقف أمره ما دام صغيراً فإن احتيج إلى قسم الميراث أعطي هو ومن معه اليقين ووقف الباقي إلى حين بلوغه فتعمل المسألة على أنه ذكر ثم على أنه أنثى وتدفع إلى كل وارث أقل النصيبين ونقف الباقي حتى يبلغ،
العلامات التي تظهر بعد البلوغ :-
قال في المغني : يوقف الأمر حتى يبلغ فيتبين فيه علامات الرجل من نبات اللحية وخروج المني من ذكره وكونه مني رجل، أو علامات النساء من الحيض والحبل وتفلك الثديين
وقال القرطبي : نبات اللحية أو كبر الثديين ومشابهتهما لثدي النساء، فإن اجتمع الأمران اعتبر الحال عند البلوغ، فإن وُجد الحيض حُكم به، وإن وُجد الاحتلام وحده حُكم به، فإن اجتمعا فهو مُشْكِل.
وقال في التاج والأكليل : ثم ينظر في كبره وبلوغه فإن نبتت له ولم ينبت له ثدي فهو رجل لأن اللحية علامة الذكر، وإن لم ينبت له لحية وخرج ثدي فهو امرأة، فإن لم ينبتا أو نبتاً جميعاً نظر؛ فإن حاضت من فرجها فهي امرأة، وإن احتلم من ذكره فهو ذكر، فإن احتلم وحاض أو لم يكن من ذلك شي فهو مشكل.
وقال في حاشية ابن عابدين
فإنْ بلَغَ وخرجت لحيته أو وصل إلى امرأة أو احتلم) كما يحتلم الرَّجل (فرجل، وإن ظهر له ثدي أو لبن أو حاض أو حبل أو أمكن وطؤه فامرأة، وإنْ لم تظهر له علامة أَصْلاً أو تعارضت العلامات فمشكل .
وقال في بدائع الصنائع : فإنما يعرف ذلك بالعلامة، وعلامة الذكورة بعد البلوغ نبات اللحية وإمكان الوصول إلى النساء، وعلامة الأنوثة في الكبر نهود ثديين كثديـي المرأة ونزول اللبن في ثدييه والحيض والحبل وإمكان الوصول إليه من فرجها، لأن كل واحد مما ذكرنا يختص بالذكورة والأنوثة فكانت علامة صالحة للفصل بين الذكر والأنثى.
قال في المجموع : ومن لم يعرف بالبولِ، سُئل عما يميل إليه طبعه، فإن قال: أميل إلى النساء فهو ذكر، وإن قال: أميل إلى الرجالِ فهو أنثى، وإن قال: أميل إليهما فهو المشكل .
علامات الرجال : نبات اللحية - خروج المني - الوصول إلى النساء - الميل للنساء .
علامات النساء : تفلك الثدي - الحيض - الحبل -اللبن - إمكان وطؤه - الميل للرجال .
قال القرطبي : وقد نظم بعض (الفضلاء) العلماء حكم الخُنْثَى في أبيات كثيرة أوّلها
وأنه معتبرُ الأحوال بالثَّدْي والِّلحية والمبَالِ
وفيها يقول:
وإن يكن قد استوت حالاته ولم تبن وأشكلت آياته
فحظّه من مَوْرِث القريب ستة أثمان من النّصيب
هذا الذي استحق للإشكالِ وفيه ما فيه من النّكالِ
وواجب في الحق أَلا يَنكِحا ما عاش في الدنيا وألا يُنكحا
إذْ لم يكن من خالص العيالِ ولا اغْتدى من جملة الرجال
وكلّ ما ذكرته في النّظم قد قاله سُراة أهل العلم
وقد أبَى الكلام فيه قومُ منهم ولم يجنح إليه لَوْمُ
لفرط ما يبدو من الشّناعة في ذكره وظاهر البشاعة
وقد مضى في شأنه الخفي حكم الإمام المرتضى علىَّ
بأنه إن نقصت أضلاعه فللرجال ينبغي إتباعــه
في الإرث والنكاح والإحرام في الحج والصلاة والأحكام
وإن تزد ضلعا على الذُّكْرانِ فإنها من جملة النّســوانِ
لأن للنسوان ضلعاً زائدة على الرجال فاغتنمها فائدة
إذ نقصت من آدم فيما سبق لخلْقِ حوّاءَ وهذا القول حقُّ
عليه مما قاله الرسول صلىّ عليه رَبُّنا دليلُ