تعريف الحمل وشروطه
الحمل في اللغة :
قال في لسان العرب : الـحَمْل، بالفتـح: ما يُحْمَل فـي البطن من الأَولاد فـي جميع الـحيوان، والـجمع حِمال وأَحمال. وفـي التنزيل العزيز: {َ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } (4) سورة الطلاق. وحَمَلت الـمرأَةُ والشجرةُ تَـحْمِل حَمْلاً: عَلِقَت. وفـي التنزيل:{ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا } (189) سورة الأعراف قال ابن جنـي: حَمَلَتْه ولا يقال حَمَلَتْ به إِلاّ أَنه كثر حَمَلَتِ الـمرأَة بولدها؛ وأَنشد لأَبـي كبـير الهذلـي:
حَمَلَتْ به، وفـي لـيلة، مَزْؤْودةً كَرْهاً، وعَقْدُ نِطاقِها لـم يُحْلَلِ
وفـي التنزيل العزيز: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} (14) سورة لقمان ، وكأَنه إِنما جاز حَمَلَتْ به لـما كان فـي معنى عَلِقَت به، ونظيره قوله تعالـى: {أُحِلَّ{لكم لـيلةَ الصِيام الرَّفَثُ إِلـى نسائكم، لـما كان فـي معنى الإِفضاء عُدِّي بإِلـى. وامرأَة حامِل وحاملة، علـى النسب وعلـى الفعل. الأَزهري: امرأَة حامِل وحامِلة إِذا كانت حُبْلـى. وفـي التهذيب: إِذا كان فـي بطنها ولد؛ وأَنشد لعمروبن حسان ويروى لـخالدبن حقّ(1):
تَمَخَّضَتِ الـمَنُونُ له بـيوم أَنى، ولِكُلِّ حاملة تَمامُ
فمن قال حامل، بغير هاء، قال هذا نعت لا يكون إِلا للـمؤنث، ومن قال حاملة بناه علـى حَمَلَت فهي حاملة، فإِذا حَمَلَت الـمرأَةُ شيئاً علـى ظهرها أَو علـى رأْسها فهي حاملة لا غير، لأَن الهاء إِنما تلـحق للفرق فأَما ما لايكون للـمذكر فقد اسْتُغنـي فـيه عن علامة التأْنـيث، فإِن أُتـي بها فإِنما هو علـى الأَصل، قال: هذا قول أَهل الكوفة، وأَما أَهل البصرة فإنهم يقولون هذا غير مستمرّ لأَن العرب قالت رَجُل أَيِّمٌ وامرأَة أَيّم، ورجل عانس وامرأَة عانس،
وقال في القاموس : الحَمْلُ: ما يُحْمَلُ في البَطْنِ من الوَلَدِ، ج: حِمالٌ وأحْمالٌ، وحَمَلَتِ المرأةُ تَحْمِلُ: عَلِقَتْ، ولا يقالُ: حَمَلَتْ به، أو قليلٌ، وهي حامِلٌ وحامِلةٌ.
ولا يرث الحمل إلا بشرطين:
أحدهما: أن يعلم أنه كان موجوداً حال الموت
والثاني: أن تضعه حياً فإن وضعته ميتاً لم يرث في قولهم جميعاً .
أحوال المولود بعد وفاة مورثه ( أقل وأكثر مدة الحمل ) : للمولد بعد وفاة مورثه ثلاثة أحوال :-
الحالة الأولى : أن يولد حياً قبل مضي زمن أقل مدة الحمل من موت المورث ففي هذه الحالة يرث مطلقاً لأن حياته دليل على أنه كان موجوداً قبل موت مورثه .
أقل مدة الحمل : أجمع العلماء على أن أقل مدة الحمل هي ستة أشهر
قال ابن كثير : وقد استدل علي رضي الله عنه بهذه الآية {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا } [الأحقاف:(15)] مع التي في لقمان {ٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ }[لقمان:(14)] وقوله تبارك وتعالى: { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ }[البقرة: (233) ] على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وهو استنباط قوي وصحيح، ووافقه عليه عثمان وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم. قال محمد بن إِسحاق بن يسار عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن بَعْجهَ بن عبد الله الجهني قال: تزوج رجل منا امرأة من جهينة فولدت له لتمام ستة أشهر، فانطلق زوجها إلى عثمان رضي الله عنه، فذكر ذلك له، فبعث إليها، فلما قامت لتلبس ثيابها بكت أختها فقالت: وما يبكيك ؟ فوالله ما التبس بي أحد من خلق الله تعالى غيره قط، فيقضي الله سبحانه وتعالى في ما شاء، فلما أتى بها عثمان رضي الله عنه أمر برجمها فبلغ ذلك علياً رضي الله عنه: فأتاه فقال له ما تصنع، قال: ولدت تماماً لستة أشهر، وهل يكون ذلك، فقال له علي رضي الله عنه: أما تقرأ القرآن: قال: بلى. قال: أما سمعت الله عز وجل يقول {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا } [الأحقاف:(15)] وقال {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ }[البقرة: (233) ] فلم نجده بقي إلا ستة أشهر قال: فقال عثمان رضي الله عنه والله ما فطنت بهذا، عليَّ بالمرأة فوجدوها قد فرغ منها قال: فقال معمر: فوالله ما الغراب بالغراب ولا البيضة بالبيضة بأشبه منه بأبيه، فلما رآه أبوه قال: ابني والله لا أشك فيه. قال: وابتلاه الله تعالى بهذه القرحة بوجهه الآكلة، فمازالت تأكله حتى مات، رواه ابن أبي حاتم، وقد أوردناه من وجه آخر عند قوله عز وجل: { فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ }[الزخرف:81].
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا فروة بن أبي المغراء، حدثنا علي بن مسهر عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: إذا وضعت المرأة لتسعة أشهر كفاه من الرضاع أحد وعشرين شهراً، وإذا وضعته لسبعة أشهر كفاه من الرضاع ثلاثة وعشرون شهراً، وإذا وضعته لستة أشهر فحولين كاملين لأن الله تعالى يقول {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا } [الأحقاف:(15)]
مسألة : لو تزوج رجل امرأة ولم يدخل بها أو دخل بها بعد الوقت وأتت بولد لستة أشهر من وقت العقد لا من وقت الدخول فما الحكم؟
للعلماء قولين :
الأول : أنه لا يلحق به إلا إذا أتت به لستة أشهر فأكثر من ذلك من وقت الدخول وهو قول الجمهور .
لأنها ليست بفراش إلا بإمكان الوطء وهو مع الدخول.
الثاني : وقال أبو حنيفة: هي فراش له ويلحقه الولد.
لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: «الولد للفراش» وكأنه يرى أن هذا تعبد بمنزلة تغليب الوطء الحلال على الوطء الحرام في إلحاق الولد بالوطء الحلال.
الحالة الثانية : أن تلده بعد مضي زمن أكثر مدة الحمل من موت المورث ففي هذه الحالة لا يرث مطلقاً لأن ولادته بعد هذه المدة تدل على حدوثه بعد موت المورث .
أكثر مدة الحمل : اختلف العلماء في أكثر مدة الحمل على ستة أقوال :-
القول الأول : خمس سنين وهو قول المالكية .
القول الثاني : سبع سنوات وبه قال بعض المالكية .
القول الثالث : أربع سنين وهو قول الشافعية والحنابلة وأشهر أقوال المالكية .
احتجوا بعدم وجود نص وما لا نص فيه يرجع غلى الوجود وقد وجد .
القول الرابع : سنتان وهو قول الأحناف والكوفيين ورواية عن الحنابلة .
استدلوا بقول عائشة رضي الله عنها في الدار قطني : (( لا يبقى الولد في بطن أمه أكثر من سنتين ولو بفلكة مغزل )) قال ابن عابدين ومثله لا يعرف إلاَّ سماعاً
القول الخامس : سنة وهو قول محمد بن الحكم .
القول السادس : تسعة أشهر وبه قال داود الظاهري .
قال ابن رشد : وهذه المسألة مرجوع فيها إلى العادة والتجربة. وقول ابن عبد الحكم والظاهرية هو أقرب إلى المعتاد، والحكم إنما يجب أن يكون بالمعتاد لا بالنادر، ولعله أن يكون مستحيلاً.
وقال الشيخ الفوزان : لعل الراجح هو القول بان أكثر مدة الحمل أربع سنين لأن التحديد بسنتين لم يثبت واثر عائشة استنكره مالك لما سئل عنه وإذا لم يرد نص بالتحديد فإنه يرجع إلى الوجود وقد وجد اربع سنين ويؤيده أيضاً أن عمر رضي الله عنه ضرب لامرأة المفقود أربع سنوات ولم يكن ذلك إلا لأنه غاية الحمل .
الحالة الثالثة : أن تلده فيما فوق الحد الأدنى لمدة الحمل ودون الحد الأعلى لها
فإن أتت به لأكثر من مدة أقل الحمل ولأقل من مدة أكثره نظرنا فإن كان لها زوج أو سيد يطؤها لم يرث إلا أن يقل الورثة إنه كان موجوداً حال الموت، وإن كانت لا توطأ إما لعدم الزوج أو لسيد وإما لمغيبتهما أو اجتنابهما الوطء عجزاً أو قصداً أو غيره ورث ما لم يجاوز أكثر مدة الحمل