كان نظام الجاهلية في المواريث ينتقل مال الميت إلى الكبير من الأبناء دون الصغار والبنات والزوجات أو ينتقل إلى أخيه أو عمه لأن الصغار والنساء لا يحموا الذمار ولا يأخذوا بالثأر ولا يجلبوا المغانم ولا يقاتلوا الأعداء قال الطبري : كان أهل الـجاهلـية لا يقسمون من ميراث الـميت لأحد من ورثته بعده مـمن كان لا يلاقـي العدوّ ولا يقاتل فـي الـحروب من صغار ولده، ولا للنساء منهم، وكانوا يخصون بذلك الـمقاتلة دون الذرية، فأخبر الله جلّ ثناؤه أن ما خـلفه الـميت بـين من سمي وفرض له ميراثا فـي هذه الآية وفـي آخر هذه السورة، فقال فـي صغار ولد الـميت وكبـارهم وإناثهم: لهم ميراث أبـيهم إذا لـم يكن له وارث غيرهم، للذكر مثل حظّ الأنثـيـين. ذكر من قال ذلك:
حدثنا مـحمد بن الـحسين،قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: كان أهل الـجاهلـية لا يورّثون الـجواري، ولا الصغار من الغلـمان، لا يرث الرجلَ من ولده إلا من أطاق القتال.
عن ابن عبـاس: وذلك أنه لـما نزلت الفرائض التـي فرض الله فـيها ما فرض للولد الذكر والأنثى والأبوين كرهها الناس أو بعضهم، وقالوا: تعطى المرأة الربع والثمن، وتعطى الابنة النصف، ويعطى الغلام الصغير، ولـيس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ولا يحوز الغنيمةٰ اسكتوا عن هذا الـحديث، لعلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه، أو نقول له فيغيره فقال بعضهم: يا رسول الله، أنعطي الـجارية نصف ما ترك أبوها، ولـيست تركب الفرس، ولا تقاتل القوم، ونعطي الصبـيّ الـميراث، ولـيس يغنـي شيئا؟ وكانوا يفعلون ذلك فـي الـجاهلـية، لا يعطون الـميراث إلا من قاتل، ويعطونه الأكبر فـالأكبر.
قال الألوسي : فإنهم ما كانوا يورثون النساء والأطفال ويقولون: إنما يرث من يحارب ويذب عن الحوزة، وروى عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون البنات، ولا الصغار الذكور حتى يدركوا. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون النساء ولا الولدان الصغار شيئا، يجعلون الميراث لذي الأسنان من الرجال.
ثم جاء التشريع الإسلامي الحكيم :
فأبطل حكم الجاهلية ورد عليهم بآيات تتلى وسنة تحفظ قال تعالى :
(( لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً {7}))
وقال
( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) )) سورة النساء.
وقال : (( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176) ))
فالإسلام أعطى النساء حقوقهن وحفظ حقوق الصغار الذي كانت أحكام الجاهلية تهضمها ونظام التوريث في الإسلام يتوافق مع الفطر السليمة والواقع الحقيقي للعائلة الإنسانية ولا يوجد هذا في أي نظام آخر غير الإسلام فالجاهلية تراعي القوي والإسلام يراعي القوي والضعيف.
والنظام الإسلام في التوريث يقوي أواصر القرابة فلا يضيع مال شخص تعب فيه ويذهب إلى البعداء دون الأقرباء .
وكذلك يحفظ ماله من الانتقال لغير ورثته المحددين فيحفظ الملكية الفردية ويحترم هذه الملكية فينتفع بنو المتوفى من مال أبيهم مما يجعله يتحفز إلى العمل والجهد لأنه مالك المال يعرف أنه سيعود إلى أولاده وورثته الآخرين .
قال الخطيب الشربيني : كان في الجاهلية مواريث يورّثون الرجال دون النساء والكبار دون الصغار، وكان في ابتداء الإسلام بالحلف والنصر ثم نسخ فتوارثوا بالإسلام والهجرة ثم نسخ فكانت الوصية واجبة للوالدين والأقربين، ثم نسخ بآيتي المواريث، فلما نزلتا قال : «إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍ حَقَّهُ أَلاَ لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ».
ــــــــــــــــــــــــ