الطعن بالتماس إعادة النظر
محمد السالمي
محل الطّعن بالتماس إعادة النّظر
حدّد الفصل 156م م م ت الأحكام القابلة للطّعن بالتماس إعادة النّظر (المبحث الأول) وبالتّالي فقد أقصى و بطريقة ضمنيّة بعض الأحكام القضائيّة وجعلها غير قابلة لإعادة النظر فيها (المبحث الثاني ) .
المبحث الأوّل : الأحكام القابلة للطّعن بالتماس إعادة النّظر
كانت الغاية من الطعن بالتماس إعادة النظر عندما سنّ المشرّع سنة 1959 مجلّة المرافعات المدنية والتجارية هو التمكين من إعادة النّظر في الأحكام القضائية النهائية (الفقرة الأولى ).
إلاّ أنّه مع تطوّر نوع ثان من القضاء والمتمثّل في التّحكيم ثار النّقاش حول مدى خضوع القرار التّحكيمي للطّعن بالتماس إعادة النّظر (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : الحكم القضائي النّهائي
تتعدّد أوصاف و درجات الأحكام الصّادرة عن المحاكم بإختلاف هذه المحاكم وتنوع إختصاصاتها .
وهذا الإختلاف في نظريّة الأحكام إنعكس على نظريّة الطّعون بشكل مباشر، ذلك أنّه تبعا للوصف وللدّرجة التي يكون عليها الحكم يقع تحديد طريقة الطّعن المناسبة والمحدّدة قانونا.
والتماس إعادة النّظر هو وسيلة طعن موجّهة ضدّ الحكم النّهائي، إذ نصّ الفصل 156 م م م ت على أنّه يقع " الطّعن في الحكم النّهائي بالتماس إعادة النّظر فيه".
فالحكم النّهائي هو محلّ الطّعن بالتماس إعادة النّظر، و لا يمكن ممارسته إلا في الصور المحددة بالنص ، وهو ما يؤكد أنه طعن غير عادي. إلا أنه طرح النّقاش حول مفهوم الحكم النّهائي (أ) و معايير اعتبار الحكم نهائي (ب) .
أ - مفهوم الحكم النّهائي:
لقد قسّمت أغلب المؤلّفات الفقهيّة المتناولة لنظريّة الأحكام في قانون المرافعات الأحكام القضائيّة من حيث الدّرجة إلى أصناف ثلاثة:
الحكم الإبتدائي و هو الحكم الصّادر عن المحكمة التي تولّت النّظر لأول مرة في النّزاع المطروح أمامها و أصدرت حكما في الأصل و ذلك الحكم خاضع للإستئناف في أجل محدّد. وعندما يستنفذ ذلك الحكم طرق الطّعن العاديّة و غير العاديّة فإنّه يصبح حكما باتّا. أيّ غير خاضع لأيّ وسيلة من وسائل الطّعن أمّا الحكم الذي إستوفى طرق الطّعن العاديّة فهو حكم أصبح محرزا على قوّة ما إتّصل به القضاء Passé en force de chose jugée .
و هو الحكم الذي عرّفه الفصل 286 م.م.م.ت بكونه الحكم الذي لم يكن أو لم يعد قابلا للطّعن بإحدى الوسائل المعطّلة للتنفيذ فالحكم المحرز على قوّة ما إتّصل به القضاء هو الحكم الذي إستنفذ طرق الطّعن العاديّة و من أهمّ هذه الطّرق في القانون التّونسي الطعن بالإستئناف.
أمّا الحكم القابل للطّعن بالإستئناف فلا يمكن أن يكون موضوع طلب إلتماس إعادة النّظر. ذلك أنّه لا يمكن الجمع بين الإستئناف والتماس إعادة النّظر.
هذا و لقد إعتبرت محكمة الإستئناف بتونس أنّ القرار الإستئنافي لا يكتسب قوّة ما إتّصل به القضاء بالضرورة بل إنّه في صورة ما إذا كان قابلا للطّعن بالتّعقيب فإنّه لا يكتسب قوّة ما إتّصل به القضاء إلاّ بعد صدور القرار التّعقيبي بالرفض .
فمحكمة الإستئناف حسب أحد شرّاح القانون لاتفرّق بين قوّة إتّصال القضاء
والأمر المقضي أيّ إتّصال القضاء. و هذا الخلط وقع العمل به في فرنسا فقها وقضاء
و ذلك لتبرير تطبيق قانون جديد دخل حيّز التنفيذ بعد صدور حكم نهائي الدّرجة.
أمّا في غير هذه الصّورة فإنه يتبيّن بالرّجوع إلى الفصل 286 م م م ت أنّ الحكم النّهائي الحائز لقوّة ما إتّصل به القضاء هو الحكم القابل للطّعن بطرق الطّعن غير العاديّة.
فالحكم النّهائي المحرز علىقوّة الشّيء المحكوم فيه في القانون التونسي هو الحكم غير القابل للإستئناف .
وفي بعض القوانين المقارنة فإنّه قد يكون الحكم نهائيّا و لكنّه لم يحرز على قوّة إتّصال القضاء و ذلك في الأحوال التي يمكن الطّعن فيها في ذلك الحكم بالمعارضة وبالتّالي فالحكم النّهائي لا يحرز على قوّة الأمر المقضى به إلاّ إذا لم يعد قابلا للطّعن فيه بالمعارضة أو بالإستئناف.
لكن هل يمكن الطّعن بالتماس إعادة النّظر في الحكم الإبتدائي بعد فوات أجل الإستئناف؟
إنّ المبدأ المعمول به في مادّة الإجراءات هو أنّه لا يمكن فتح باب طرق الطّعن غير العاديّة إلاّ بعد إستنفاذ طرق الطّعن العاديّة و على هذا الأساس و عملا بهذا المبدأ فإنّه لا يجوز الطّعن بالتماس إعادة النّظر في الحكم الإبتدائي بعد فوات ميعاد الإستئناف و ذلك على الرّغم من أنّ ذلك الحكم قد أصبح نهائيّا، وذلك لأنّ الطّاعن الذي فوّت على نفسه أجل الطّعن العادي محمول على أنّه رضي بالحكم الصّادر ضدّه و لا يمكنه أن يطرق باب وسائل الطّعن غير العاديّة.
وكذلك الشّأن في صورة ما إذا إستأنف المحكوم ضدّه في الأجل إلاّ أنّه حكم بطرح القضيّة لأنّه لم يسع لمواصلة متابعة قضيّته المنشورة أمام المحكمة، فمثل هذه الوضعيّة لا يعدّ معها الطّاعن قد مارس طرق الطّعن العاديّة المخوّلة له قانونا ممّا يفتح له حقّ ممارسة غيرها من الطّرق غير العاديّة.
و تبنت محكمة التعقيب هذا الرأي في قرارها التّعقيبي المدني الصادر تحت عدد 3682 في 21 أفريل 1981 و الذي جاء فيه أنّ الطّاعن " لا يملك...باب إلتماس إعادة النّظر إلاّ بعد إستعماله و إستنفاذه وسيلة الطّعن بالإستئناف".
فالحكم الإبتدائي الذي فات ميعاد إستئنافه و أصبح نهائيّا لا يمكن حسب محكمة التعقيب الطّعن فيه بالتماس إعادة النّظر وذلك لأنّ ذلك الحكم لم يقع إستئنافه و بالتّالي لا يمكن الطّعن فيه مباشرة بطرق الطّعن غير العاديّة ومنها إلتماس إعادة النّظر.
إلا أن هذا الرأي يقابله رأي ثان يعتبر أنّه منذ اللّحظة التي يصبح فيها الحكم نهائيّا بموجب إنقضاء أجل الإستئناف فإنّه يمكن الطّعن في ذلك الحكم المحرز على قوّة ما إتّصل به القضاء بالتماس إعادة النّظر فيه.
وبالتالي لا يُشترط المرور بطرق الطّعن العاديّة لممارسة طرق الطّعن غير العاديّة.
فالتماس إعادة النّظرحسب هذا الرأي لا يشترط لممارسته صدور حكم من آخر درجة، بل يمكن رفع هذا الطعن ضدّ أي حكم صادر عن محكمة الدّرجة الأولى إذا فات ميعاد الطّعن فيه بالإستئناف أي إذا أصبح نهائيّا. وعلى مستوى هذه النّقطة يختلف الإلتماس عن الطّعن بالتّعقيب، ذلك أنّ الطّعن بالتّعقيب يشترط لممارسته أن يكون الحكم نهائيّا صادرا من آخر درجة أيّ وقع إستئنافه وبالتّالي فإنه لا يمكن الطّعن بالتّعقيب في حكم إبتدائي صار نهائيّا بسبب فوات أجل الإستئناف ، إلاّ أنّه يمكن الطّعن في ذلك الحكم بالتماس إعادة النّظر.
ذلك أنّ الطّعن بالتّعقيب يمكّن محكمة التّعقيب من فرض رقابتها القانونيّة على الحكم الصّادر من المحكمة المطعون في حكمها، هذا الحكم الذي من المفروض أنّه تمّ التّقاضي في شأنه على درجتين إذ النّزاع يمرّ بالدّرجة الإبتدائيّة ثمّ الإستئنافيّة، و في صورة عدم إحترام هذا التّسلسل فإنّه لا يمكن المرور إلى مرحلة الطّعن بالتّعقيب.
إلا أنّ هذا التّمشّي من الممكن عدم التّقيّد به بالنّسبة لالتماس إعادة النّظر حسب محكمة التعقيب في القرار الصّادر عنها تحت عدد 1731 في 4 جويلية 1978 و الذي جاء به ما يلي : " عبارة (الحكم النّهائي) الواردة بالفقرة الأولى من الفصل 156م م م ت تشمل :