• سلطة قاضي الموضوع في القول بالتجاوز ورقابة المحكمة العليا (القانون) عليه:-
القول بتجاوز المدافع حدود الدفاع الشرعي من إختصاص قاضي الموضوع، إذ يتطلب بحثاً في وقائع الدعوى ومقارنة بين جسامة الخطر وجسامة فعل الدفاع؛ والقول بتوافر النية السليمة أو انتفائها هو كذلك من شأن قاضي الموضوع، وتحديد ما إذا كان المتجاوز ذو النية السليمة تنطبق عليه الفقرة الثالثة من المادة (253) أو المادة (110/2) جزاء عماني أو أنه جدير بالعقوبة العادية لجريمته أيضاً من الأمور التي يختص بها قاضي الموضوع؛ ولا يقبل الجدال أمام المحكمة العليا فيما يدخل على النحو السابق في سلطة قاضي الموضوع.
ولكن للمحكمة العليا أن تراقب إستنتاج قاضي الموضوع، فإذا كان ما إستخلصه لا يتفق عقلاً وما أثبته من وقائع، فللمحكمة أن تصحح حكمه، وذلك من مبدأ الخطأ في تطبيق القانون ؛ وسبق أن تطرقت إلى الحديث عن هذه السلطة في هذا البحث.
• بعض من تطبيقات محاكم النقض (العليا) بشأن تجاوز حالة الدفاع الشرعي:-
- إن العبرة في تقدير قيام الدفاع الشرعي ومقتضياته هي ما يراه المدافع في الظروف المحيطة به، بشرط أن يكون مبنياً على أسباب تبرره فإن إنتزاع السلاح من يد القتيل وشل حركته هو الحد الذي لا يجوز تجاوزه. (طعن رقم 110و111/ 2003م، جلسة 24/6/2003م، المحكمة العليا، سلطنة عمان) .
- من الخطأ أن تعامل المحكمة المتهم على اعتبار أنه تجاوز حق الدفاع الشرعي بعد قولها بإنتفاء هذا الحق لأن تجاوز حدود الحق لا يتصور مع انعدام هذا الحق.(طعن رقم 925 سنة 11 ق جلسة 3/3/1941، محكمة النقض المصرية) .
- إن الحد العام لحق الدفاع الشرعي لا يقاس بالتناسب في عدد الضربات أو نوع السلاح، بل مناط ذلك بزوال العدوان أو الخطر المراد دفعه. (نقض رقم م أ/م ك/35/1977 جلسة 16/3/1977م محكمة النقض السودانية) .
- إن حق الدفاع الشرعي قد قرر بالقانون لدفع كل إعتداء مهما كانت جسامته، وتناسب فعل الدفاع مع الإعتداء لا ينظر فيه إلا بعد ثبوت قيام حالة الدفاع الشرعي؛ وإن زاد فعل الدفاع عن فعل الإعتداء وكانت الزيادة غير مقبولة عُد المتهم متجاوزاً حق الدفاع وحق عليه العقاب في الحدود المبين بالقانون.(طعن رقم 505 سنة 25ق جلسة 5/12/1955م، محكمة النقض المصرية) .
• الخـــــــاتمة:-
من خلال هذا البحث نخلص للأتي:
- إن حق الدفاع الشرعي، حق أصيل أقرته الشرائع الدنيوية منذ قدم البشرية ذلك أن الطبيعة الإنسانية تقوم على حاسة البقاء التي تنشأ لدى المدافع.
- إذا ما ثبت قيام حالة الدفاع الشرعي فإن الشخص يعفى من المسئولية الجزائية والمدنية كاملة.
- لم يقم المشرع العماني بشرح حالة الدفاع الشرعي، وإنما أشار إلى حالتين تعدان من قبيل الدفاع الشرعي.
- إن المشرع العماني لم ينحى لمنحى بعض التشريعات الأخرى، حيث أنه لم يحصر الحالات التي يجوز فيها الدفاع عن الإعتداء الواقع على المال.
- لا تقوم حالة الدفاع الشرعي في حالة تخلف إحدى شروط فعل الإعتداء، ويكون مرتكبها مسئول عن فعله طبقاً للقواعد العامة.
- يكون المدافع متجاوزا لحالة الدفاع الشرعي إذا ما تخلف أحد شرطي فعل الدفاع (التناسب على الأخص) وحينها يستحق بأن توقع عليه عقوبة مخففة ويكون مسئول مسئولية كاملة عن الشق المدني (التعويض).
- لا تنشأ حالة تجاوز الدفاع الشرعي إلا بعد نشوء حق الدفاع بذاته.
- لا يُعد الشخص متجاوزا لحدود الدفاع الشرعي، إذا ما أقدم على تجاوز فعله بسوء نية.
- يتوجب على المستفيد من حالة الدفاع الشرعي أو تجاوزه، إثبات تلك الحالة، أمام محكمة الموضوع، وعلى الأخيرة التحقق من توافرها والحكم كذلك بموجبها.
- للمحكمة العليا سلطة الرقابة على محكمة الموضوع من حيث الإشراف على تطبيق القانون أو تأويله.
من خلال هذا البحث البسيط تجلت لي الحاجة إلى ضرورة وجود شرح لقانون الجزاء العماني وذلك لأنه قد واجهتني صعوبة بالغة في تفسير قصد المشرع العماني من حالة الدفاع الشرعي عامة وحالة تجاوزها خاصة، ذلك أنني إستعنت بشروحات القانون المصري والذي كان توجه لهذه الحالة نوعاً ما مختلفاً عما ذهب إليه مشرعنا العماني، فضلاً عن ذلك قلة المبادئ القانونية التي تحدثت عن هذه الحالة.
هذا البحث ليس من البحوث التي ينتهي إليها الباحث لإستنتاج معين، ولكن من المتصور بأن يتكون لدي رأي أو قناعة تجاه موضوع البحث ، وهذا الرأي قد يكون مستقل أو مماثل لرأي أخر من الآراء الكثيرة التي قيلت في ذلك الموضوع؛ وعلى ذلك فإن رأيي لا يختلف عما ذهب إليه الفقه عموماً في مسألة تجاوز الدفاع الشرعي؛ من حيث قيامه وتوافره وإثباته.
عــدنــان بن عبــدالله الـبروانـي