يشترط لصحة وصية الميت شرطين :
الأول : أن لا تكون لوارث الثاني : أن لا تكون في أكثر من الثلث
مسألة: "ولا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة ذلك":
الأدلة :
عن عمرو بن خارجة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب على ناقته، وأنا تحت جرانها، وهي تقصع بجرتها، وإن لغامها يسيل بين كتفي، فسمعته يقول: إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث". رواه الخمسة إلا أبا داود وصححه الترمذي.
وعن أبي أمامة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث". رواه الخمسة إلا النسائي.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجوز وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة".
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا وصية لوارث، إلا أن يجيز الورثة". رواهما الدارقطني".
ولبحث هذا الموضوع نقلنا كامل المسألة من كتاب المغني للإمام ابن قدامة .
مسألة وفصول: قال: ولا وصية لوارث إلا أن يجز الورثة ذلك وفروع في الوصية
مسألة: قال: "ولا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة ذلك":
وجملة ذلك أن الإنسان إذا أوصى لوارثه بوصية فلم يجزها سائر الورثة لم تصح بغير خلاف بين العلماء. قال ابن المنذر وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على هذا وجاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فروى أبو أمامة قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" رواه أبو داود وابن ماجة و الترمذي، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم منع من عطية بعض ولده وتفضيل بعضهم على بعض في حال الصحة وقوة الملك وإمكان تلافي العدل بينهم بإعطاء الذي لم يعطه فيما بعد ذلك لما فيه من إيقاع العداوة والحسد بينهم ففي حال موته أو مرضه وضعف ملكه وتعلق الحقوق به وتعذر تلافي العدل بينهم أولى وأحرى، وإن أجازها جازت في قول الجمهور من العلماء، وقال بعض أصحابنا الوصية باطلة، وإن أجازها سائر الورثة إلا أن يعطوه عطية مبتدأة أخذا من ظاهر قول أحمد، في رواية حنبل: لا وصية لوارث وهذا قول المزني وأهل الظاهر وهو قول للشافعي واحتجوا بظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا وصية لوارث" وظاهر مذهب أحمد والشافعي أن الوصية صحيحة في نفسها وهو قول جمهور العلماء لأنه تصرف صدر من أهله في محله فصح كما لو وصى لأجنبي والخبر قد روي فيه "إلا أن يجيز الورثة" والاستثناء من النفي إثبات فيكون ذلك دليلا على صحة الوصية عند الإجازة ولو خلا من الاستثناء كان معناه لا وصية نافذة أو لازمة أو ما أشبه هذا أو يقدر فيه لا وصية لوارث عند عدم الإجازة من غيره من الورثة، وفائدة الخلاف أن الوصية إذا كانت صحيحة فإجازة الورثة تنفيذ وإجازة محضة يكفي فيها قول الوارث أجزت أو أمضيت أو نفذت فإذا قال ذلك لزمت الوصية، وإن كانت باطلة كانت الإجارة هبة مبتدأة تفتقر إلى شروط الهبة من اللفظ والقبول والقبض كالهبة المبتدأة ولو رجع المجيز قبل القبض فيما يعتبر فيه القبض صح رجوعه.
فصل: وإن أسقط عن وارثه دينا أو أوصى بقضاء دينه أو أسقطت المرأة صداقها عن زوجها أو عفا عن جناية موجبها المال فهو كالوصية له، وإن عفا عن القصاص وقلنا الواجب القصاص عينا سقط إلى غير بدل، وإن قلنا الواجب أحد شيئين سقط القصاص ووجب المال، وإن عفا عن حد القذف سقط مطلقا، وإن وصى لغريم وارثه صحت الوصية، وكذلك إن وهب له وبهذا قال الشافعي وأبو حنيفة، وقال أبو يوسف هو وصية للوارث لأن الوارث ينتفع بهذا الوصية وتستوفي ديونه منها.
ولنا أنه وصى لأجنبي فصح كما لو وصى لمن عادته الإحسان إلى وارثه، وإن وصى لولد وارثه صح فإن كان يقصد بذلك نفع الوارث لم يجز فيما بينه وبين الله تعالى قال طاوس في قوله عز وجل: "فمن خاف من موص جنفا أو إثما" قال: أن يوصي لولد ابنته وهو يريد ابنته. رواه سعيد قال ابن عباس الجنف في الوصية والأضرار فيها من الكبائر.
فصل: وإن وصى لكل وارث بمعين من ماله بقدر نصيبه كرجل خلف ابنا وبنتاً وعبداً قيمته مائة وجارية قيمتها خمسون فوصى لابنه بعبده ولابنته بأمته احتمل أن تصح الوصية لأن حق الوارث في القدر لا في العين بدليل ما لو عاوض المريض بعض ورثته أو أجنبيا بجميع ماله صح إذا كان ذلك بثمن المثل، وإن تضمن فوات عين المال واحتمل أن تقف على الإجازة لأن في الأعيان غرضاً صحيحاً وكما لا يجوز إبطال حق الوارث في قدر حقه لا يجوز من عينه.
فصل: وإذا ملك المريض من يعتق عليه بغير عوض عتق وورث وبهذا قال مالك وبعض أصحاب الشافعي، وحكاه الخبري مذهبا للشافعي ولا خلاف بين هؤلاء في أنه إذا ملكه بالميراث أنه يعتق ويرث، وقال أبو حنيفة: إن حمله الثلث عتق وورث وإلا سعى فيما بقي عليه ولم يرث ولم يفرق بين أن يملكه بعوض أو غيره، وقال أبو يوسف ومحمد يحتسب ميراثهم من قيمتهم فإن فضل شيء أخذه، وإن فضل عليهم شيء سعوا فيه.
ولنا أن المريض لم يضع فيهم شيئاً من ماله وإنما تعاطى سبب ملكهم على دونه لم يستقر وزال بغير إزالته فلم يحتسب عليه من ثلثه كما لو اتهب شيئاً فرجع الواهب فيه قبل قبضه أو اشترى شيئاً فيه غبطة بشرط الخيار ففسخ البائع أو وجد بالثمن عيباً ففسخ البيع أو تزوجت المرأة فطلقت قبل الدخول وإذا لم تكن وصية لم تحتسب عليه من الثلث لم يمنع الميراث كما لو ملكه بالميراث عند من سلمه أو كما لو كان ذلك في صحته فإن ملكه بعوض كالشراء، فحكى الخبري عن أحمد أنه يعتق ويرث وهذا قول ابن الماجشون وأهل البصرة، وقال القاضي في المجرد: إن ملكه بعوض وخرج من الثلث عتق وورث وإلا عتق منه بقدر الثلث وهذا قول مالك، وقال الخبري وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، وحكى غيره عن الشافعي أنه لا فرق عنده بين أن يملكه بعوض أو غيره وإنه إن خرج من الثلث عتق وإلا عتق منه بقدر الثلث ولا يرث في الحالين لأنه لو ورث لكان إعتاقه وصية لوارث فيبطل عتقه ويبطل ميراثه لبطلان عتقه فيؤدي توريثه إلى إبطال توريثه فصححنا عتقه ولم نورثه لئلا يفضي إلى ذلك، ومذهب أبي حنيفة وصاحبيه في هذا كمذهبهم فيما إذا ملكه بغير عوض.
ولنا على إعتاقه قول النبي صلى الله عليه وسلم "من ملك ذا رحم محرم فهو حر" ولأنه ملك وجد معه ما ينافيه فبطل كملك النكاح مع ملك الرقبة أعني فيما إذا اشترى أحد الزوجين صاحبه، وإذا أعتق ورث لأنه وجد سبب الميراث عريا عن الموانع فورث كما لو ورثه، وقولهم أن عتقه وصية لا يصح لأن الوصية فعله، والعتق ههنا يحصل من غير اختياره ولا إرادته، ولأن رقبة العتق لا تحصل له وإنما تتلف ماليته وتزول فيصير ذلك كتلفه بقتل بعض رقيقه أو كإتلاف بعض ماله في بناء مسجد مثال ذلك مريض وهب له ابنه فقبله وقيمته مائة ثم مات المريض وخلف ابنا آخر ومائتين فإنه يعتق ويقاسم أخاه المائتين في قول الأكثرين، وعند الشافعي فيما حكى عنه غير الخبري يعتق ولا يرث شيئاً وعند صاحبي أبي حنيفة يعتق وله نصف التركة يحتسب عليه بقيمته ويبقى له خمسون، وإن كان باقي التركة خمسين فعندنا يعتق وله نصف الخمسين وهو قول مالك، وعند أبي حنيفة يعتق نصفه ويسعى في باقيه والخمسون كلها لأخيه، وقال صاحباه تعتق ثلاثة أرباعه، وعند الشافعي في قول غير الخبري يعتق نصفه ويرق نصفه ونصفه الرقيق والخمسون كلها لأخيه، وإن كان باقي التركة ثلاثمائة فعندنا يعتق وله مائة وخمسون، وعند الشافعي يعتق ولا يرث شيئاً وعند صاحبي أبي حنيفة يعتق وله مائة فإن كان اشترى ابنه بمائة ومات وخلف ابنا آخر ومائة أخرى فعلى الرواية الأولى يعتق ويقاسم أخاه المائة الباقية وعلى ما حكاه القاضي يعتق منه ثلثاه ويرث أربعين ويعتق باقيه على أخيه ولا يرث بذلك الجزء شيئاً لأن عتقه حصل بعد موت أبيه، وعند الشافعي يعتق ثلثاه ولا يرث، وقال أبو حنيفة يعتق ثلثاه ويسعى في باقيه ولا يرث، وعند صاحبيه يعتق كله ولا يرث شيئاً فإن كان قد تصدق قبل ذلك بثلثه أو حابى به لم يعتق لأن الثلث قد ذهب.
فصل: وإن ملك من ورثته من لا يعتق عليه كبني عمه فأعتقهم في مرضه فعتقهم وصية لأنه حصل بفعله واختياره وحكمهم في العتق حكم الأجانب إن خرجوا من الثلث عتقوا وإلا عتق منهم بقدر الثلث، وينبغي أن يعتقوا ولا يرثوا، لأنهم لو ورثوا لكانت وصية لوارث فيبطل عتقهم ثم يبطل ميراثهم، وقد قال أبو الخطاب في رجل ملك ابن عمه فأقر في مرضه أنه كان أعتقه في صحته عتق ولم يرث، وهذا في معنى ما ذكرنا لأن إقراره لوارث غير مقبول فمنعنا ميراثه ليقبل إقراره له بالإعتاق.
فصل: مريض اشترى أباه بألف لا مال له سواه فعلى رواية الخبري يعتق كله، وعلى القول الآخر يعتق ثلثه على المعتق، ويعتق باقيه على ابنه، وهذا قول مالك، وقال أبو حنيفة يعتق ثلثه ويسعى للابن في ثلثيه، وعلى قول صاحبيه يعتق سدسه ويسعى في خمسة أسادسه، وقيل: على قياس قول الشافعي يفسخ الشراء إلا أن يجيز الابن عتقه وقيل يعتق ثلثه ويفسخ البيع في ثلثيه، وإن خلف الفين سواء عتق وورث سدسهما وبه قال مالك وأبو حنيفة، وفي قول صاحبيه يعتق نصفه ويسعى في قيمة نصفه.
فصل: وإذا وهب الإنسان أبوه أو وصى له به استحب له أن يقبله ولم يجب، وهذا قول الشافعي، ويحتمل أن يجب عليه قبوله لأن فيه إعتاقاً لأبيه من غير التزام مال.
ولنا أنه استجلاب ملك على الأب فلم يلزمه كما لو بذل له بعوض أو كما لو بذل له ابنه أو غيره من أقاربه ولأنه يلزمه ضرر بلحوق المنة به وتلزمه نفقته وكسوته.
فصل: إذا وصى لوارثه وأجنبي بثلثه فأجاز سائر الورثة وصية الوارث فالثلث بينهما، وإن وصى لكل واحد منهما بمعين قيمتهما الثلث فأجاز سائر الورثة وصية الوارث جازت الوصية لهما وإن ردوا بطلت وصية الوارث في المسألتين وللأجنبي السدس في الأولى والمعين الموصى له به في الثانية، وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وغيرهم، وإن كانت الوصيتان بثلثي ماله فأجاز الورثة لهما جازت لهما، وإن عينوا نصيب الوارث بالرد وحده فللأجنبي الثلث كاملاً لأنهم خصوا الوارث بالإبطال فالثلث كله للأجنبي وسقطت وصية الوارث فصار كأنه لم يوص له، وإن أبطلوا الزائد عن الثلث من غير تعيين نصيب أحدهما فالثلث الباقي بين الوصيين لكل واحد منهما السدس، هذا الذي ذكره القاضي وهو قول مالك والشافعي، وذلك لأن الوارث يزاحم الأجنبي إذا أجاز الورثة الوصيتين فيكون لكل واحد منهما الثلث فإذا أبطلوا نصفهما بالرد كان البطلان راجعاً إليهما وما بقي منهما بينهما كما لو تلف ذلك بغير الرد، واختار أبو الخطاب أن الثلث جميعه للأجنبي وحكي نحو هذا عن أبي حنيفة لأنهم لا يقدرون على إبطال الثلث فما دون إذا كان للأجنبي، ولو جعلنا الوصية بينهما لملكوا إبطال ما زاد على السدس، فإن صرح الورثة بذلك فقالوا أجزنا الثلث لكما ورددنا ما زاد عليه في وصيتكما أو قالوا رددنا من وصية كل واحد منكما نصفها وبقينا له نصفها كان ذلك آكد في جعل السدس لكل واحد منهما لتصريحهم به، وإن قالوا أجزنا وصية الوارث كلها ورددنا نصف وصية الأجنبي فهو على ما قالوا لأن لهم أن يجيزوا لهما ويردوا عليهما فكان لهم أن يجيزوا لأحدهما ويردوا على الآخر، وإن أجازوا للأجنبي جميع وصيته وردوا على الوارث نصف وصيته جاز كما قلنا، وإن أرادوا أن ينقصوا الأجنبي عن نصف وصيته لم يملكوا ذلك سواء أجازوا للوارث أو ردوا عليه، فإن ردوا جميع وصية الوارث ونصف وصية الأجنبي فعلى قول القاضي لهم ذلك لأن لهم أن يجيزوا الثلث لهما فيشتركان فيه ويكون لكل واحد منهما نصفه ثم إذا رجعوا فيما للوارث لم يرد الأجنبي على ما كان له في حالة الإجازة للوارث وعلى قول أبي الخطاب يتوفر الثلث كله للأجنبي لأنه إنما ينقص منه بمزاحمة الوارث فإذا زالت المزاحمة وجب توفير الثلث لأنه قد أوصى له به، ولو خلف ابنين ووصى لهما بثلثي ماله ولأجنبي بالثلث فردا الوصية فقال أبو الخطاب عندي للأجنبي الثلث كاملا وعند القاضي له التسع ويجيء فيه من الفروع مثل ما ذكرنا في التي قبلها.
فصل: وإن وصى بثلثه لوارث وأجنبي وقال إن ردوا وصية الوارث فالثلث كله للأجنبي كما وصى، وإن أجازوا للوارث فالثلث بينهما لأن الوصية تتعلق بالشرط، ولو قال أوصيت لفلان بثلثي فإن مات قبلي فهو لفلان صح وإن قال وصيت بثلثي لفلان فإن قدم فلان الغائب فهو له صح فإن قدم الغائب قبل موت الموصي صار هو الوصي وبطلت وصية الأول سواء عاد إلى الغيبة أو لم يعد لأنه قد وجد شرط انتقال الوصية إليه فلم ينتقل عنه بعد ذلك، وإن مات الموصي قبل قدوم الغائب فالوصية للحاضر سواء قدم الغائب بعد ذلك أو لم يقدم ذكره القاضي لأن الوصية ثبتت لوجود شرطها فلم تنقل عنه كما لو لم يقدم، ويحتمل أن الغائب إن قدم بعد الموت كانت الوصية له لأنه جعلها له بشرط قدومه وقد وجد ذلك.
فصل: وإن وصى لوارث فأجاز بعض باقي الورثة الوصية دون البعض نفذ في نصيب من أجاز دون من لم يجز، وإن أجازوا بعض الوصية دون بعض نفذت فيما أجازوا دون ما لم يجيزوا، فإن أجاز بعضهم بعض الوصية وأجاز بعضهم جميعها أو ردها فهو على ما فعلوا من ذلك، فلو خلف ثلاثة بنين وعبداً لا يملك غيره فوصى به لأحدهم أو وهبه إياه في مرض موته وأجازه له أخواه فهو له، وإن أجاز له أحدهما وحده فله ثلثاه وإن أجازا له نصف العبد فله نصفه ولهما نصفه وإن أجازا أحدهما له نصف نصيبه ورد الآخر فله النصف كاملاً: الثلث نصيبه والسدس من نصيب المجيز، وإن أجاز كل واحد منهما له نصف نصيبه كمل له الثلثان وإن أجاز له أحدهما نصف نصيبه والآخر ثلاثة أرباع نصيبه كمل له ثلاثة أرباع العبد، وإن وصى بالعبد لاثنين منهما فللثالث أن يجيز لهما أو يرد عليهما، أو يجيز لهما بعض وصيتهما إن شاء متساويا وإن شاء متفاضلا أو يرد على أحدهما ويجيز للآخر وصيته كلها أو بعضها أو يجيز لأحدهما جميع وصيته وللآخر بعضها فكل ذلك جائز لأن الحق له فكيفما شاء فعل فيه.أ هـ
كيف يمكن الجمع بين عدم الوصية للوارث وهذه الآية :
{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ {180} (181) سورة البقرة
أدلة الوصية بالثلث:
1 - "عن ابن عباس قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الثلث والثلث كثير". متفق عليه.
2 - و"عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني من وجع اشتد بي، فقلت له: يا رسول الله إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: فالشطر يا رسول الله؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير أو كبير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالةً يتكففون الناس". رواه الجماعة، وفي رواية أكثرهم: "جاءني يعودني في حجة الوداع". وفي لفظ: "عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضي فقال: أوصيت؟ قلت: نعم، قال: بكم؟ قلت: بمالي كله في سبيل الله، قال: فما تركت لولدك؟ قلت: هم أغنياء، قال: أوص بالعشر، فما زال يقول وأقول حتى قال: أوص بالثلث، والثلث كثير أو كبير". رواه النسائي "وروى أحمد بمعناه إلا أنه قال: قلت: نعم، جعلت مالي كله في الفقراء والمساكين وابن السبيل".
فائدة :
(قوله: "والثلث كثير") في رواية مسلم: ("كثير أو كبير") بالشك هل هو بالموحدة أو المثلثة؟ والمراد أنه كثير بالنسبة إلى ما دونه، وفيه دليل على جواز الوصية بالثلث، وعلى أن الأولى أن ينقص عنه ولا يزيد عليه، قال الحافظ: وهو ما يبتدره الفهم، ويحتمل أن يكون لبيان أن التصدق بالثلث هو الأكمل أي كبير أجره. ويحتمل أن يكون معناه كثير غير قليل، قال الشافعي: وهذا أولى معانيه يعني أن الكثرة أمر نسبي، وعلى الأول عول ابن عباس كما تقدم، والمعروف من مذهب الشافعي استحباب النقص عن الثلث. وفي شرح مسلم للنووي إن كان الورثة فقراء استحب أن ينقص منه، وإن كانوا أغنياء فلا. وقد استدل بذلك على أنها لا تجوز الوصية بأزيد من الثلث.
فائدة :
(قوله: ورثتك) قال ابن المنير: إنما عبر له صلى الله عليه وسلم بلفظ الورثة، ولم يقل: بنتك، مع أنه لم يكن له يومئذ إلا ابنة واحدة، لكون الوارث حينئذ لم يتحقق، لأن سعداً إنما قال ذلك بناء على موته في ذلك المرض وبقائها بعده حتى ترثه، وكان من الجائز أن تموت هي قبله، فأجابه صلى الله عليه وسلم بكلام كلي مطابق لكل حالة، وهو قوله: ورثتك، ولم يخص بنتاً من غيرها. وقال الفاكهي شارح العمدة، إنما عبر صلى الله عليه وسلم بالورثة لأنه اطلع على أن سعداً سيعيش ويحصل له أولاد غير البنت المذكورة، فإن ولد له بعد ذلك أربعة بنين اه. وهم عامر ومصعب ومحمد وعمر، وزاد بعضهم، إبراهيم ويحيى وإسحاق، وزاد ابن سعد: عبد الله وعبد الرحمن وعمراً وعمران وصالحاً وعثمان وإسحاق الأصغر وعمراً الأصغر وعميراً مصغراً، وذكر له من البنات ثنتي عشرة بنتاً. قال الحافظ ما معناه: إنه قد كان لسعد وقت الوصية ورثة غير ابنته، وهو أولاد أخيه عتبة بن أبي وقاص، منهم هاشم بن عتبة، وقد كان موجوداً إذ ذاك.
3 - وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعلها لكم زيادةً في أعمالكم" رواه الدارقطني".
حديث أبي الدرداء أخرجه أيضاً أحمد، وأخرجه أيضاً البيهقي وابن ماجه والبزار من حديث أبي هريرة بلفظ: "إن الله تصدق عليكم عند موتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم".
قال الحافظ: وإسناده ضعيف. وأخرجه أيضاً الدارقطني والبيهقي من حديث أبي أمامة بلفظ: "إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعل لكم زكاة في أموالكم". وفي إسناده إسماعيل بن عياش وشيخه عتبة بن حميد، وهما ضعيفان. ورواه العقيلي في الضعفاء عن أبي بكر الصديق، وفي إسناده حفص بن عمرو بن ميمون، وهو متروك، وعن خالد بن عبد الله السلمي عند ابن أبي عاصم وابن السكن وابن قانع وأبي نعيم والطبراني، وهو مختلف في صحبته، رواه عنه ابنه الحرث، وهو مجهول، وقد ذكر الحافظ في التلخيص حديث أبي الدرداء، ولم يتكلم عليه.
دليل الإجماع : قال في الفتح: واستقر الإجماع على منع الوصية بأزيد من الثلث،
مسألة هل يجوز الوصية بأكثر من الثلث؟
أجمع العلماء على منع الزيادة على الثلث في الوصية لمن له ورثة واختلفوا فيمن ليس له وراث خاص على قولين:
القول الأول : ذهب الجمهور إلى منعه من الزيادة على الثلث .
القول الثاني : جواز الزيادة للموصي على الثلث لمن ليس له وراث وقال به الحنفية وإسحاق وشريك وأحمد في رواية، وهو قول علي وابن مسعود.واحتجوا بأن الوصية مطلقة في الآية، فقيدتها السنة بمن له وارث، فبقي من لا وارث له على الإطلاق.