سلطة المجلس في إصدار بطاقات الإيداع
صابر الحرشاني
تختص بالنظر في القضايا الجزائية لدى المحكمة الإبتدائية دوائر جناحية و دوائر جنائية و فع إحداثها مؤخرا بكل محكمة إبتدائية منتصبة بمقر محكمة إستئناف بمقتضى القانون عدد 43 لسنة 2000 المؤرخ 17 أفريل 2000 المتعلق بإقرار التقاضي على درجتين في المادة الجنائية.
و قد حدد المشرع ميدان إختصاص كل من الدائرة الجناحية و الدائرة الجنائية كما وضح أساليب عملها و إجراءات التقاضي لديها.
فهل مكنها المشرع من سلطة إصدار بطاقات الإيداع بالسجن؟1- بالنسبة للمحكمة الجناحية؛ نجد أن المشرع التونسي خول لها سلطة إبقاء المتهم قيد الإيداع بالسجن أو الإفراج عنه في صورة معينة جاء بها الفصل 206 من م.ا.ج حيث نصت الفقرة الثالثة منه أنه تتعهد المحكمة الإبتدائية عند النظر في الجنح بمقتضى إحالة المتهم توا على المحكمة من طرف وكيل الجمهورية و إذا لم يكن في ذلك اليوم جلسة فلهذا الأخير أن يودع المظنون فيه بالسجن بمقتضى بطاقة إيداع و يلزمه إحـضـاره بـأقرب جلسة مـمـكـنة و عند مثول المتهم أمام المحكمة قد يترأى لهذه الأخيرة تأجيل القضية لزيادة التحري عندها تؤيد بطاقة الإيداع الصادرة أو تقضي بالإفراج عند المتهم.
إن هذا الفصل يعطي للدائرة الجناحية سلطة معينة في ميدان إيداع المتهم مؤقتا بالسجن عند إحالته عليها بحالة إيقاف. فقد مكن المشرع المحكمة الجناحية الإبتدائية من إبقاء المتهم بحالة إيقاف أو الإفراج عنه و ذلك بتأييد بطاقة الإيداع الصادرة من لدن النيابة العمومية أو إطلاق سراح المتهم. و تعني عبارة تأييد بطاقة الإيداع أن المحكمة تقرر بطاقة الإيداع الصادرة ضد المتهم و لا تكون في حاجة إلى إصدار بطاقة إيداع ثانية؛ بالتالي فإن المشرع في هذه الصورة لا يعطي للمحكمة الجناحية سلطة إصدار بطاقة الإيداع بل يمكنها فقط من تزكية البطاقة الصادرة أو إنهاء مفعولها بمقتضى إقرار الإفراج عن المتهم.
من ناحية أخرى إذا أ
حيل المتهم بحالة سراح على المحكمة و لم يستعمل وكيل الجمهورية الإمكانية المخولة له تشريعيا بإصدار بطاقة إيداع في صورة الجريمة المتلبس بها على أساس أن الفصل 206 المذكور أنفا يعطيه سلطة التقدير في ذلك؛
فإن الدائرة الجناحية الإبتدائية لا يمكنها أن تصدر بطاقة إيداع ضد المتهم لأن المشرع يعطيها فقط سلطة تأييد بطاقة إيداع إن وقع إصدارها، فإن لم توجد فإن هذه الهيئة القضائية لا تملك إيداع المتهم مؤقتا بالسجن إلا على أساس الأحكام المشتركة التي سبق التعرض إليها.
2 - أما بالنسبة للمحكمة الجنائية الإبتدائية، فإنه لا نجد أي إشارة ضمن الفصول الواردة بـ م.ا.ج الخاصة بها إلى إعطاء هذه الهيئة القضائية سلطة إصدار بطاقات الإيداع ضد المتهمين الذين يقع إحالتهم عليها من قبل دائرة الإتهام، فمن الممكن أن تقرر دائرة الإتهام الإفراج عن المتهم و يحال على الدائرة الجنائية بحالة سراح؛ كما يمكن أن ينتهي أجل الإيقاف التحفظي و تكون دائرة الإتهام مجبرة على الإفراج على المتهم فيحال كذلك عليها بحالة سراح.
إن ما يتجه الإشارة في هذا الصدد أنه لا يمكن للمحكمة الجنائية أن تقرر إصدار بطاقة إيداع إلا على ضوء الأحكام المشتركة التي سبق بسطها.
أما بالنسبة للمشرع المصري فقد خول هو الأخر للمحكمة التي تتعهد بالقضية إصدار أوامر بالحبس ضد المتهمين؛ فإذا أحيل المتهم إلى محكمة الموضوع يكون الأمر بالحبس الإحتياطي من إختصاصها دون غيرها و ذلك حسب المادة 151 بالنسبة للـمـحكمة الجزائية و المادة 380 بالنسبة لمحكمة الجنايات من قانون الإجراءات الجزائية المصري لكن لا يجوز للمحكمة المتعهدة إصدار أمر بالحبس إلا إذا تحققت شروط و هي:
أولا : أن يكون المتهم قد أستجوب أو أتيحت له الفرصة لإبداء دفاعه و تفنيد الأدلة القائمة قبله، أو قد تم سؤاله عن التهمة بمعرفة سلطة التحقيق، إلا إذا تعذر ذلك بسبب فراره من التتبع أو القضاء.
ثانيا : أن تكون هناك دلائل كافية على إرتكابه الجريمة، إذ يمكن لمحكمة الموضوع أن تعتبر أنه هناك قرائن كافية على قيام المتهم بالجرم المنسوب إليه فتأمر بحبسه إحتياطيا، كما قد يترأى لها عدم كفاية الـحـجة على المظنون فيه مبدئيا فـتـواصل النـظـر في القـضـية و تفرج مؤقتا عن المتهم إذا كان محبوسا.
ثالثا : لا يمكن إصدار أمر بالحبس إلا إذا كانت الجريمة معاقبا عليها بالحبس لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر و لا يجوز إصدار هذا الأمر في مادة المخالفات.
بالنسبة للقانون اللبناني فهو لا يجيز التوقيف الإحتياطي إلا إذا صدرت مذكرة تـوقـيـف عن سلطة ذات إختصاص، و من هذه السلطات، فقد مكن المحكمة المنتصبة للقضاء من إصدار مذكرة توقيف ضد المتهم في الحالة الخـاصـة المـبـيـنـة فـي المواد 128 و 205 و 207 من قانون الأصول الجزائية حيث نصت المادة 128 على ما يلي : " إذا طلب المدعى عليه إخلاء سبيله و تخلف عن الحضور فلقاضي التحقيق أو المحكمة بحسب الحال أن تصدر بحقه مذكرة توقيف أو مذكرة إلقاء قبض."
أما فيما يخص القانون الفرنسي، فقد عهد للمحكمة الجناحية صلاحية إصدار بطاقات الإيداع و ذلك في صور معينة ضبطتها م.ا.ج .
* حالة الجريمة المتلبس بها : يمكن لوكيل الجمهورية في صورة الجنحة المتلبس بها إحالة المتهم توا على المحكمة لمقاضاته من أجل التهمة المنسوبة إليه؛ و قد كانت المحكمة الجناحية تتمتع بسلطة إصدار بطاقة إيداع ضد المظنون فيه إن رأت ضرورة في ذلك، إلا أن الفصل 49 من القانون عدد 516 – 2000 المؤرخ في 15 جوان 2000 أدخل تغييرا على الفصل 396 من م.ا.ج.ف الذي أعفى المحكمة الجانحية من النظر في إيداع المتهم مؤقتا بالسجن بموجب الإحضار توا comparution immédiate أمامها لكنه أعطاها سلطة تأييد بطاقة الإيداع الصادرة ضد المتهم، حيث أن الفصل المذكور- في صورة إستعمال وكيل الجمهورية لإلية الإحضار توا ( يقابلها في التشريع التونسي آلية الإحالة توا) – يعطي الإختصاص في مادة إقرار الإيداع المؤقت لقاضي الحريات و الإيقاف الذي يمكنه وحده أن ينظر في طلبات النيابة العمومية الرامية لذلك و يقرر إصدار بطاقة إيداع.
* عدم إختصاص المحكمة : لقد جاء بالفصلين 469 و 519 من م.ا.ج.ف أنه يمكن للمحكمة الجناحية إبتدائية أو إستئنافية في صورة التصريح بخروج القضية عن أنظارهما للصبغة الجنائية للأفعال المتعهدة بها و بعد سماع النيابة العمومية، أن يقرروا إصدار بطاقة إيداع ضد المظنون فيه.
* العقوبة المقررة للجريمة : يمكن للمحكمة في صورة إقرار عقوبة سالبة للحرية من أجل جنحة، لا تقل عن عام سجن أن تصدر بطاقة إيداع ضد المـتهم بمقتضى قـرار خـاص و معلل ( )
* التشويش بالجلسة : لقد مكن المشرع الفرنسي رئيس المحكمة الجناحية من إصدار بطاقة إيداع ضد كل من يحدث هرجا و تشويشا أو يخل بالسير العادي أو حفظ النظام داخل الجلسات و يتعمد عدم الخضوع لقرار بطرده من قاعة الجلسة. ( ) )الفصل 404 م.ا.ج.ف) لقد وقع التعرض إلى السلطات القضائية التي خول لها القانون صلاحية إصدار بطاقات الإيداع، لكن بقي أن نكشف النقاب عن الطرف الذي سيكون محل لبطاقة الإيداع، لذلك يجدر بنا دراسة الأشخاص المستهدفين لها.
[left]