جريمة الدخول لمحل الغير رغم إرادة صاحبه
نصّ الفصل 256 م.ج على أنّ : " الإنسان الذي يدخل أو يستقر بمحل معدّ للسكنى و ذلك بالرغم من إرادة صاحبه يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أشهر.
و المحاولة موجبة للعقاب ".
يؤخذ من هذا الفصل أن المشرع أقرّ حماية جزائية للمسكن و ذلك بجعل الإستقرار به أو الدخول إليه جريمة موجبة للعقاب إذا ما توفّرت عناصرها من جهة (المبحث الأول) و مهما كان مظهر الإعتداء المسلّط على المسكن (المبحث الثاني).
المبحث الأول : العناصر المكوّنة للجريمة
لقد تعرّض المشرع التونسي على غرار جلّ التشريعات المعاصرة إلى تجريم الإعتداء على المسكن باعتباره امتدادا للحق في الحياة، هذا إضافة إلى أنّ عبارة المسكن توحي بالطمأنينة و السكينة بآعتبار أن الشخص ينعم داخله بالأمان و الراحة مستترا فيه و بعيدا عن أعين الغير و لذلك فقد حضي بعناية كبيرة من المشرع من خلال وضع أحكام و سنّ قوانين تحميه و تقي حرمته من كلّ ما يمكن أن ينتهكه أو يتسلّط عليه من آعتداءات.
و القول بتجريم الإعتداء على المسكن يستوجب توفّر المسكن محلّ الاعتداء (فقرة أولى) و الدخول و الاستقرار به بالرّغم عن إرادة صاحبه (فقرة ثانية) و توفّر القصد الإجرامي (فقرة ثالثة).
الفقرة الأولى : المسكن محل الاعتداء
يقول الفقيه كاربونيي " قلعة الفرد مسكنه ".
من هذا المنطلق نلاحظ أن المسكن هو مستودع أسرار و خصوصيات الأفراد فبداخله يمكنهم أن ينعموا بالراحة و الأمان و السكينة و أن يتمتّعوا بالهدوء، و قد آهتم المشرع بالمسكن محاولا إقرار ما يمكن من ضمانات لحماية هذا الحق
الدستوري متجاوزا التضييق الذي يقتصر على حماية حق الملكية إلى حماية أمن وراحة الأفراد .
لم يتعرّض المشرع التونسي إلى تعريف قانوني للمسكن لكنّنا, نجده صلب الفصل 267 م.ج يعرّف المحل المسكون بأنّه : " كلّ بناء أو مركب أو خيمة أو مكان مسيّج معدّ لسكنى الإنسان و يعتبر المحل مسكونا بالمعنى المقصود بالفصل 260 و لو لم يكن أحد نازلا به عند وقوع الجريمة ".
لكنّ هذا التعريف يبقى قاصرا عن تعريف المسكن تعريفا واضحا وشاملا ذلك أنّه يرتبط بجريمة السرقة الموصوفة التي نصّ عليها الفصل 260 و لذلك فهو يبقى تعريفا ناقصا و محدودا في نطاق معيّن لا يمكن تجاوزه للحديث عن الاعتداءات الأخرى التي تتسلّط على المسكن.
إضافة لذلك نجد أحكام الفصل 268 م.ج تنص على أنّ : " الصحون
و محلات تربية الطيور و الإسطبلات و المباني الملاصقة لإحدى المحلات المبيّنة بالفصل المتقدّم و لو كان لها سياج خصوصي في السياج العام للمحل أو بحرمه العام تعتبر من المحلاّت المسكونة ".
إذا ما اعتمدنا كذلك أحكام هذا الفصل فإنّنا لن نتوصّل إلى مفهوم حقيقي للمسكن باعتبار أنّ هذا الفصل كذلك يتصل بمفهوم المسكن في جريمة السرقة الموصوفة لوقوعها ببعض الوسائل المحددة قانونا و ذلك في محاولة منه لحماية المسكن من الاعتداء المسلّط عليه وهو ما أقرّته محكمة التعقيب في قرارها الجزائي عدد 1664 المؤرّخ في 15/2/1962 الذي جاء به: " و قد أراد المشرع حماية المساكن و صيانتها و معاقبة كل من يتعمد آرتكاب السرقة داخل تلك المساكن بإحدى الوسائل التي نصّ عليها الفصل 260 من المجلة الجنائية " .
لذلك فإنّ هذا التعريف لا يمكن الأخذ به لقصوره عن تحديد مفهوم المسكن
و نظرا لضيقه يتّجه البحث في فقه القضاء لإيجاد تعريف
أوسع و أشمل للمسكن.
تبنّت محكمة التعقيب تعريفا موسّعا للمسكن فاعتبرت أنّ : " المقصود بالمحل المسكون هو كلّ بناء أو مركب أو خيمة أو مكان فسيح معدّ لسكنى الإنسان و يعتبر المحل مسكونا بالمعنى الأتم و لو لم يكن أيّ أحد نازلا به عند وقوع الجريمة " .
كما اعتبرت في نفس القرار بأنّ المسكن يشمل " كلّ الأماكن التي يعدّها الإنسان ليأوي إليها كالمنازل و البيوت و الخيام ".
نلاحظ أنّه رغم أهمية هذا المفهوم إلاّ أنّه يتّجه التوسيع فيه أكثر ليشمل عدّة أماكن أخرى اعتاد الإنسان الإقامة فيها و لذلك يمكننا الالتجاء إلى ما توصّل إليه الفقه و فقه القضاء الفرنسي بشأن مفهوم المسكن.
عرّف الفصل 184 من المجلة الجنائيّة الفرنسية المسكن بأنّه : " المكان الذي يكون مقرا رئيسيا للشخص ".
كما عرّفه الفقيه " قارو " على النحو التالي :" المسكن حسب الفصل 184 جنائي هو المكان المخصص للسكنى و الإقامة الحقيقية للمواطن " .
أما الفقيه " قارسون " فقد عرّف المسكن بأنّه :" المنزل أو الإقامة الخاصة للفرد وهو كلّ محل سكنى مشغول من الشخص وهو بيت كلّ إنسان " .
أمّا محكمة التعقيب الفرنسية فقد عرّفته في قرارها المؤرخ في 24 جوان 1893 بأنّه : " كل مكان يشغله من له الحق في ذلك أو غيره بعد مصادقته بصفة متواصلة أو مؤقتة ".
و لكن و بما أنّ المسكن لا يقتصر على المقر الأصلي للشخص فقط و إنّما يشمل كذلك كل مكان يتمتع فيه بحق الإقامة, فقد قامت محكمة التعقيب الفرنسية بتجاوز المفهوم الذي آعتمدته لتعتبر في قرارها المؤرخ في 26 فيفري 1963 بأنّ
" المسكن لا يعني فقط المكان الذي يوجد به المقر الأصلي للشخص بل هو المكان الذي سواءا كان يسكن به أولا، يخوّله بأن يعتبر نفسه في بيته و ذلك بقطع النظر عن الصفة القانونية لشغوله أو الوصف المعطى للمحلاّت " .