أركان جريمة السرقة
مقدمة البحث
تعتبر جريمة السرقة من أشهر وأقدم الجرائم الواقعة على الأموال،والسرقة لغة هي"أخذ المال خفية"، أما قانونا فهي"إختلاس مال منقول مملوك للغير بنية تملكه". وقد عالج المشرع العماني السرقة والجرائم الملحقة بها في الفصل الأول (أخذ مال الغير) من الباب الثامن من قانون الجزاء،وقد عرفت المادة (278)السرقة بأنها"أخذ مال الغير المنقول بصورة غير شرعية". ومن تعريف الفقه للسرقة يتضح أنه يجب أن ينصب فعل الإختلاس أو الأخذ على مال وأن يكون هذا المال منقولا وأن يكون مملوكا للغير.فإذا توافرت الشروط السابقة في محل السرقة،وقام الجاني بأخذ هذا المال والإستيلاء عليه بدون رضاء صاحبه وهو ما يشكل قوام الركن المادي لهذه الجريمة،وكان الجاني عالما حينها أنه يأخذ مالا ً منقولا ً مملوكا لغيره بدون رضاء صاحبه وأتجهت إرادته المعتبرة قانونا إلى تحقيق النتيجة المرجوة من تمام الركن المادي،وهو ما يعرف بالركن المعنوي للجريمة،فإننا نكون أمام جريمة سرقة، وأضاف فقهاء القانون ركنا خاصا بالإضافة إلى الأركان الثلاثة السابقة وهو "نية التملك".وسوف نتناول في هذا البحث المبسط نية التملك (الركن الخاص) في جريمة السرقة ونحاول أن نسلط الضوء عليها ونبين عناصرها وأرآء الفقهاء فيها ونبين على من يقع عبء إثباتها وأثر إنتفاء هذه النية في البنيان القانوني لجريمة السرقة.وحتى يكون موضوع البحث متكاملا فإننا سوف نعرج على عجالة لأركان جريمة السرقة الثلاثة السابق ذكرها في ثلاث مطالب متتالية ونخصص المطلب الرابع والأخير لنية التملك.
المطلب الأول:محل السرقة
يقصد بمحل السرقة الشيء الذي تتعلق به الحقوق والمصالح المعتدى عليها وينصب عليه الفعل الإجرامي.ويشترط في محل السرقة توافر أربعة شروط هي الأول أن يكون موضوع السرقة مالأً والثاني أن يكون المال ذو طبيعة مادية والثالث أن يكون مالا منقولا والرابع والأخير أن يكون مملوكا للغير.وسوف نتناول هذه الشروط على عجالة في أربعة فروع متتالية.
الفرع الأول:أن يكون موضوع السرقة مالاً:
لا يصلح الشيء محلا للسرقة إلا إذا كان مالا،ويقصد بالمال"كل شيء يصلح محلا لحق عيني وعلى وجه التحديد حق الملكية" وقد عرفه القانون المدني المصري بأنه:"كل شيء غير خارج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون يصح أن يكون محلا للحقوق المالية والأشياء التي تخرج عن التعامل بطبيعتها هي التي لا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها،أما الأشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون فهي التي لا يجيز القانون أن تكون محلا للحقوق المالية .
ويتفق الفقه على عدم وقوع السرقة على شيء مباح مثل الماء والهواء ولكن إذا كان القانون المدني ينفي صفة المال عما لا يجوز التعامل فيه بين الأفراد، فإن قانون العقوبات يضع حدوداً أكثر إتساعا لمعنى المال،فلا تنتفي صفة المال عن الأشياء التي تكون حيازتها محرمة أو غير مشروعة كالمخدرات.وفي معنى السرقة لا يهم أن يكون محل الجريمة من المواد الممنوع حيازتها أو التعامل فيها.إذ أن المشرع الجزائي يحمي حق الملكية لذاته.فإن كان الشيء يمكن تملكه وله قيمة،فإنه لا ينظر فيما إذا كانت حيازته مباحه أم محرمه أو فيما إذا كان الحائز للمال قد حصل عليه عن طريق مشروع أم غير مشروع .ويعني ذلك وجوب توافر أمران في محل السرقة الأول أن يكون الشيء قابلا للتملك وعلى ذلك فالإنسان لا يمكن أن يكون محلا للسرقة لأنه ليس شيئا يمكن تملكه وإن كان يمكن أن يكون محلا لجريمة أخرى كالخطف وحجز الحرية وينبني على نفي صفة المال عن الإنسان أن جسمه لا يعتبر مالا.ولكن الأعضاء الصناعية كالذراع الخشبية أو الساق المعدنية هي أموال ويتصور سرقتها،بل أن الأعضاء الطبيعية تصير مالاً إن إنفصلت من الجسم الحي التي كانت جزءا منه وتعتبر ملكا لصاحب هذا الجسم ومن ثم يتصور سرقتها،فمن قص شعر إمرأة رغما عنها واستولى عليه يعتبر سارقا له بالإضافة إلى ما ينطوي عليه فعله من إيذاء بدني .والعنصر الثاني أن يكون شيئا ذا قيمة ،ويمكن أن تكون قيمة المال مادية تقدر بثمن أو معنوية كالخطابات والصور التذكارية فهي تصلح محلا للسرقة بغض النظر عن قيمتها سواءاً كانت مادية أو معنوية .ولا أهمية لقيمة المال المسروق كبيرة أم ضئيلة،فالشيء يكتسب صفة المال أياً كانت قيمته. وقد قضت محكمة التمييز الأردنية"بأن السرقة تتم بنقل حيازة المال من يد حائزه بدون رضاه إلى يد السارق ولا عبرة لقيمة المال المسروق مهما كانت قيمته ضئيلة حتى ولو لم تكن لهذا المال إلا قيمة أدبية لا يقدرها إلا المجني عليه .والمشرع العماني في المادة (281/2) من قانون الجزاء، إعتبر إختلاس المال سرقة أياً كانت قيمته،إلا أنه جعل سرقة الأموال ذات القيمة التافهة من الجرائم التي يحتاج تحريكها إلى شكوى من المجني عليه وتسقط بتنازله.والوقت الذي يعتد فيه بقيمة المال هو وقت وقوع الإختلاس، فإذا كان الشيء مجردا تماما من القيمة وقت الإختلاس فإنه لا يصلح محلا للسرقة.
الفرع الثاني:أن يكون المال ذو طبيعة مادية:
وهذا الشرط تفرضه طبيعة الأخذ أو الإختلاس في جريمة السرقة بإعتباره الإستيلاء على الحيازة الكاملة،وهو مالا يتصور إلا بالنسبة للأشياء المادية.والشيء المادي"وهو ما يشغل حيزا ملموسا في الفراغ الكوني أو هو كل ما له كيان ذاتي مستقل في العالم الخارجي أو هو كل ماله طول وعرض وسمك بصرف النظر عن حجمه أو وزنه أو هيئته .وصورة مادة الشيء سواء لدى القانون:فالأجسام الصلبة والسوائل والغازات جميعا ذات كيان مادي،ومن ثم تصلح جميعا موضوعا للسرقة،فالسوائل على إختلاف أنواعها لها كيان مادي وعلى سبيل المثال فالماء-وإن كان في مجاريه الطبيعية مباحا-إلا أنه إذا استولى عليه شخص حازه بذلك وملكه،فمن إعتدى على ملكيته وحيازته كان سارقا. وتطبيقا لذلك فإن الشخص الذي يستولي على المياه من الأنابيب أو المستودعات التي تختزنه فيها هيئه لتنقية المياه وتوزيعها دون أن يتفق معها على ذلك يعتبر سارقا .وتقع السرقة على الغازات أيضا على الرغم من أنها لا تدرك بالحس لأنه يمكن حيازتها ونقلها وتملكها من خلال ما تعبأ فيه سواءٌ في أنابيب أو قوارير ومن أمثلة هذه الغازات غاز الكلور وغاز البوتجاز،فإذا كان الشيء غير مادي،أي معنوي فإنه لا يصلح أن يكون محلا للسرقة كالحقوق والآراء والأفكار والشعر والنثر،لأنها أشياء معنوية لا تدرك بالحس ولكنها إذا أفرغت في محرر كعقد أو كتاب،فإن هذه المحررات تصبح مالاً ماديا يصلح لأن يكون محلا للسرقة وهكذا تقع السرقة على مادة العقود التي تدون فيها الحقوق أو الكتب التي تدون فيها الأفكار.أما الحقوق والأفكار في حد ذاتها لا تحميها نصوص السرقة وإنما تحميها نصوص خاصة ،كقانون حماية الملكية الفكرية.
والمنافع-أي حالة إستعمال الشيء-تتجرد من الكيان المادي لأنها مجرد حالة ومن ثم لا تصلح محلا للسرقة،فمن إتخذ مكانا في وسيلة نقل عامة دون أن يدفع مقابلا لذلك ومن طهى طعاما على موقد لغيره ومن برد شرابا في ثلاجة غيره كل أولئك لا يرتكبون سرقة.ولكن الشيء الذي تصدر منه المنفعة له كيان مادي فيصلح موضوعا للسرقة:فمن إستولى على وسيلة النقل أو الموقد أو الثلاجة يرتكب سرقة .
ولقد ثار الجدل بشأن حكم أخذ التيار الكهربائي.هل أن الكهرباء مجرد قوة طبيعية لا تصلح محلا للسرقة أم يعتبر شيئا ماديا وعندئذ يكون محلا للأخذ؟ ذهب الجانب الغالب من الفقه إلى إعتبار الكهرباء شيئا ماديا قابلا للتملك والحيازة ويمكن أن يقع عليه فعل الإختلاس وأستقرت أحكام القضاء على ذلك إذ إعتبرت الكهرباء مما يصلح محلا لجريمة السرقة إستنادا إلى أن وصف المال المنقول لا يقتصر على ما كان جسما قابلا للوزن طبقا لنظريات الطبيعة.بل هو يتناول كل شيء مقوم قابل للتملك وللحيازة والنقل من مكان إلى آخر-فالتيار الكهربائي وهو ما تتوافر فيه هذه الخصائص-من الأموال المنقولة المعاقب على سرقتها .وتتم سرقة الكهرباء بعدت وسائل،من ذلك توصيل سلك بسلك الكهرباء الرئيسي قبل وروده بعددات المشتركين وحينئذ تقع السرقة على مؤسسة الكهرباء،وقد تقع على المشترك إذا وصل الجاني السلك بسلك الكهرباء بعد مروره بالعداد فتضاف كمية الكهرباء التي إختلسها إلى الكمية التي يحسبها العداد على المشترك .وكذلك الحال بالنسبة لسرقة خط الهاتف.
الفرع الثالث:أن يكون موضوع السرقة منقولا:
تطلب المشرع العماني هذا الشرط صراحة في المادة(278)من قانون الجزاء والتي عرفت السرقة بأنها"أخذ مال الغير المنقول...."والعلة من ذلك أن السرقة هي اعتداء على ملكية المنقولات دون العقارات،إذ حائز المنقول هو الذي تتعرض حيازته وملكيته للمخاطر،بالإضافة إلى أن فعل الأخذ يعني تغير موضوع الشيء،بإعتباره الوسيلة إلى إخراجه من حيازة المجني عليه وتحقيق الإعتداء الذي تفرضه السرقة ولايتصور ذلك إلا بالنسبة للمنقول.
إن التمييز بين المنقول والعقار هو من موضوعات القانون المدني،وقد عرف العقار بأنه"كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه لا يمكن نقله دون تلف".واستخلص من ذلك أن كل ما عدا ذلك من شيء فهو منقول" فيقصد بالمنقول"كل شيء يمكن نقله من مكان لآخر دون تلف".أما في القانون الجنائي فيقصد به كل شيء مادي يمكن نقله من مكان لآخر،وهو بهذا المعنى يشمل في عرف القانون المدني المنقول بطبيعته والعقار بالتخصيص والعقار بالإتصال بل والعقار بطبيعته إذا أمكن نقله.فأما أمر المنقول بطبيعته فهو واضح كالنقود وقطع الأثاث والحيوانات والمحررات التي تثبت فيها الحقوق،وتقع السرقة أيضا على ما يطلق عليه القانون المدني العقار بالتخصيص:وهو في حقيقته منقول بطبيعته رصد لخدمة العقار،كأدوات الزراعة ومعدات المصنع والمكائن.وتقع كذلك على ما يطلق عليه العقار بالإتصال كالشبابيك والأبواب والأشجار المزروعة بالعقار،بل من الممكن أن تقع السرقة على العقار بطبيعته كمن يحاول أن ينزع بعض الأحجار من جدار أو جبل مثلا .
وخلاصة القول أن أي مال مهما كانت طبيعته يقبل لأن يكون محلا في جريمة السرقة في أية لحظة يتمكن خلالها السارق من رفع هذا المال ونقله من مكانه ولو أدى ذلك إلى كسره أو تلفه.وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض المصرية"بأن الحكم المطعون فيه إذا اعتبر إختلاس الأبواب والنوافذ وأخشاب سقف منزل المدعيين بالحق المدني سرقة،يكون قد إقترن بالصواب،ويضحى منحى الطاعن في هذا الصدد على غير أساس،ويعد شارعا بسرقة من يضبط وهو يحاول نزع نافذة أو إقتلاع شجرة بقصد الإستيلاء عليها والإحتفاظ بها لنفسه .
الفرع الرابع:أن يكون المال مملوكا للغير:
يشترط في موضوع السرقة أن يكون مملوكا للغير،فالسرقة إعتداء على الملكية ولا يتصور هذا الاعتداء إلا إذا نال الفعل مالاً مملوكا للغير،ذلك أنه إذا وقع الفعل على مال يملكه المتهم فهو استعمال لحقه عليه،وإذا انصب على مال غير مملوك لأحد فهو إكتساب مشروع لملكيته.والفعل في الحالتين مشروع،فلا تقوم به السرقة، ومعنى ذلك أن الفصل في الإدعاء بالسرقة يفترض فصلا في ملكية المال المدعى بسرقته،ويجري هذا الفصل تطبيقا لقواعد القانون المدني .وللوقوف على هذا الشرط يتعين التطرق إلى ثلاثة فروض وهي: