المبحث الأول
مصلحة المؤسسة من خلال إجراءات الإنقاذ
إن الأهمية التي أولاها المشرع لمصلحة المؤسسة في إطار قانون المؤسسات التي تمر بصعوبات إقتصادية لا يمكن أن تُخفي حرص المشرع على إيجاد قدر أدنى من التوازن بين المصالح المتعارضة كي لا تتحول مصلحة المؤسسة إلى وسيلة لإهدار بعض الحقوق، وقد عبّر المشرع عن هذا الموقف من خلال الفصل الأوّل من القانون المذكور الذي تضمن أن :"نظام الإنقاذ يهدف أساسا إلى مساعدة المؤسسات التي تمر بصعوبات إقتصادية على مواصلة نشاطها والمحافظة على مواطن الشغل فيها والوفاء بديونها".
وتبعا لذلك فإن دراسة مختلف الأحكام المنظمة لإجراءات الإنقاذ تضمنت حدودًا تتوقف عندها مصلحة المؤسسة لتغليب مصالح أخرى جديرة بالحماية.
لذا يتجه دراسة مظاهر حماية المؤسسة من خلال إجراءات الإنقاذ فقرة أولى ثم التعرض إلى الحدود التي وضعها المشرع في فقرة ثانية.
الفقرة الأولى : مظاهر حماية مصلحة المؤسسة من خلال إجراءات الإنقاذ : تهدف إجراءات الإنقاذ إلى تحقيق الهدف الأساسي المتمثّل في مواصلة نشاط المؤسسة طبق أحكام الفصل 41 وما يليه من القانون عدد 34 لسنة 1995، ولتحقيق هذا الهدف أقر المشرع عديد الآليات التي تبرّر بصفة جليّة إرادة المشرع في حماية مصلحة المؤسسة وتغليبها على المصالح الأخرى.
ويمكن في هذا الإطار التوقف عن أهم هذه المظاهر وهي :
- الإشعار بالصعوبات الإقتصادية،
- حماية المؤسسة من الدائنين،
- حماية المؤسسة من تصرفات مسيريها،
- ضمان إستمرار المؤسسة.
أ) الإشعار بالصعوبات الإقتصادية :لئن كانت المؤسسة إقتصادية تتصل بالملكية الخاصة وتنصهر في إطار مصلحة مالكيها فإنها مع ذلك أصبحت في إطار قانون الإنقاذ تتصل بالمصلحة العامة وتستوجب تدخل أصراف خارجية لا تربطهم بها مصالح شخصية ومباشرة بإعتبار أن المؤسسة أصبحت تمثّل أحد خلايا النسيج الإقتصادي الوطني وفي حمايتها تحقيق للمصلحة الوطنية.
وتبعا لذلك فقد أقر المشرع آلية الإشعار ببوادر الصعوبات الإقتصادية التي تشهدها المؤسسة وخوّل بعض الأطراف المباشرة بالإعلام بهذه الصعوبات وإن لم تكن لهم مصلحة مباشرة في ذلك.
ويمكن في هذا الخصوص الإشارة إلى بعض الأطراف التي حمّلها المشرع واجب الإشعار ببوادر الصعوبة الإقتصادية.
1
– لجنة متابعة المؤسسات الإقتصادية :إقتضت الفقرة الثانية من الفصل 4 من قانون إنقاذ المؤسسات أنه :"وتبادر اللجنة بإشعار رئيس المحكمة المعنيّة بكل مؤسسة بلغت خسارتها ثلث رأس مالها وكذلك بكل مؤسسة تبيّن لها وجود وضعيات أو أعمال تهدد إستمرار نشاطها كما تتولى إقتراح برامج إنقاذ المؤسسات'.
ويتضح من خلال هذا النص أن المشرع أسند إلى لجنة متابعة المؤسسات الإقتصادية مهمة المراقبة والرصد للأوضاع الإقتصادية التي تشهدها المؤسسات كما حمّلها واجب الإعلام بهذه الأوضاع ليكون التدخل من خلال برنامج الإنقاذ ناجزا وفاعلا وبالتالي تجنّب الوضعيات الصعبة التي تحول دون إنقاذ المؤسسة.
2- المؤسسات العمومية والمؤسسات المالية :تعتبر بعض المصالح العمومية والمؤسسات العمومية متعاملا رئيسيا مع المؤسسات الإقتصادية وبذلك تكون مؤهلة للإطلاع على الوضعية المالية للمؤسسة وهو ما جعل المشرع يلزم هذه المؤسسات بواجب الإشعار بالأعمال التي تهدد إستمرار المؤسسة إذ إقتضى الفصل 5 من القانون عدد 34 لسنة 1995 أنه :"تتولى مصالح تفقدية الشغل والصندوق الوطني للضمان الإجتماعي ومصالح المحاسبة العمومية والمؤسسات المالية إعلام لجنة متابعة المؤسسات الإقتصادية بما تلاحظه من أعمال تهدد إستمرار نشاط أية مؤسسة خاضعة لأحكام هذا القانون وخاصة عند عدم خلاص ما تخلّد بذمتها من ديون بعد مضي ستة أشهر من تاريخ حلول الدين".
ويستوجب هذا الفصل إبداء بعض الملاحظات :
- لئن مكّن المشرع الصندوق الوطني الإجتماعي ومصالح المحاسبة العمومية من معيار موضوعي للقيام بواجب الإشعار وهي مضي ستة أشهر دون خلاص الدين فإن مصالح تفقدية الشغل لا يمكن أن يكون على علم بالوضعية المالية للمؤسسة ولا يمكنها الحصول على هذه المعلومات إلا بصفة عرضية أي بمناسبة إجراء تفقد أو عند تقدم بعض العملة بشكايات إلى تفقدية الشغل وبالتالي فإن واجب الإشعار المحمول على مصالح تفقدية الشغل يصبح محدود الأهمية في مثل صورة الحال.
- إن واجب الإشعار يتعلّق بكافة الأعمال التي تهدد إستمرار نشاط المؤسسة وفي غياب معايير موضوعية فإن السلطة التقديرية في أهمية الأعمال ومدى خطورتها بالنسبة إلى إستمرار المؤسسة ترجع إلى المؤسسة الملزمة بواجب الإشعار دون رقيب عليها ولا حسيب.
- إن إلزام المؤسسات المالية بواجب الإشعار بالأعمال التي تهدد إستمرار المؤسسة يتعارض مع طبيعة العلاقة التجارية الرابطة بينها وبين المؤسسة الإقتصادية بوصفها حريف خاصة وأن المؤسسات المالية ملزمة بالمحافظة على السر المهني.
3 – مراقب حسابات المؤسسة :إن الأصل في أعمال مراقب الحسابات ملازمة الحياد وعدم التدخل في تسيير المؤسسة الإقتصادية موضوع المراقبة، غير أن هذا الحياد لم يمنع المشرع من إلزامه بمساءلة المسير كتابيًا عن الأعمال التي يرى أنها تهدد إستمرار المؤسسة وله عند الإقتضاء عرض الأمر على مجلس الإدارة أو مجلس المراقبة وعند التأكد دعوة المساهمين إلى عقد جلسة عامة، وهو ما يدعو إلى التساؤل حول علاقة مراقب الحسابات بالمؤسسة بإعتبار أن تمكينه من هذه السلطات ينزله منزلة الشريك الذي له مصلحة في حماية المؤسسة من أخطاء المسيّر ودعوة الجلسة العامة للإنعقاد لإتخاذ التدابير الضرورية.
4 – الشريك :إن الترابط بين مصلحة الشريك ومصلحة المؤسسة جعل المشرع يقر حق الشريك في كافة أصناف الشركات بإستثناء شركات الأسهم والشركات ذات المسؤولية المحدودة في الإشعار ببوادر الصعوبات الإقتصادية التي تمر بها المؤسسة.
غير أنه وحماية لمصالح المؤسسة من تعسف بعض الشركاء فقد إشترط المشرع بالنسبة إلى شركات الأسهم والشركات محدودة المسؤولية أن يتم الإشعار من قبل الشركاء الماسكين على الأقل لعشر رأس المال.