إن حل هذا الإشكال لا يمكن ان يكون إلا من خلال الرجوع إلى الفصلين 12 و67 من القانون عدد 122 لسنة 1994 المؤرخ في 28/11/1994 والمتعلق بإصدار مجلة التهيئة الترابية ففي حين اقتضى الفصل 12 أن هذه الأمثلة تضبط رسم طرقات الجولان المزمع المحافظة عليها أو تغييرها أو إحداثها، تحدث الفصل 67 منه على المصادقة مقرا بأنه بمجرد المصادقة على التقسيم تدمج الطرقات والمساحات الخضراء والعمومية والمخصصة للتجهيزات الجماعية في الملك العمومي أو الملك الخاص التابع للدولة أو الجماعة العمومية المحلية.
لم يتعرض المشرع التونسي صلب مجلة التهيئة الترابية والتعمير إلى مسألة الانتزاع فيما يهم المساحات المخصصة للطرقات إذ ينص الفصل 19 أنه ينجر عن قرار المصادقة على مثال التهيئة العمرانية التصريح بالمصلحة العمومية للأشغال المقررة ويضيف الفصل 20 أنه " بعد المصادقة تتولى الجماعة العمومية المحلية المعنية أو الوزارة المكلفة بالتعمير القيام على الميدان بكل الاجراءات العملية لتحديد المناطق المخصصة للطرقات بوضع علامات تحديد بارزة للعيان " ويضيف الفصل 23 أنه " لا ينجر أي تعويض عن الاتفاقات الناتجة عن التراتيب العمرانية المتخذة لفائدة الأمن العمومي وأمن المنشآت العسكرية والمرور....."
من هنا نستنتج أن لمثال التهيئة العمرانية حجية قانونية في تحديد الملك العمومي دون أن يستدعي الأمر استصدار أمر في الانتزاع وما يدعم هذا الرأي.
أولا : أن التشريع المتعلق بالانتزاع الوارد به القانون عدد 85 لسنة 1976 المؤرخ في 11 أوت 1976 لم يتعرض لانتزاع المساحات الخاصة بالطرقات.
ثانيا : ان الانتزاع ينجر عنه بالضرورة تعويض وهو ليس واقعة الحال بالنسبة للطرقات.
ما يعزز هذا الاتجاه ما دأبت عليه جل المحاكم في معارضة العموم بمثال التهيئة العمرانية للوقوف على طبيعة الممر هل هي عمومية أو خاصة. وأما عن معارضة الغير بقرار المصادقة على مثال التهيئة العمرانية فإن الفصل 356 من م ح ع يقتضي أن أجزاء الملك العام المتحولة في عقار مسجل لا يسلط عليها التسجيل والحقوق المتعلقة بها تبقى رغما عن كل ترسيم بمعنى أنه إذا انبثق عن مثال التهيئة العمرانية طريق بعقار مسجل فلا يحتاج الأمر الى ترسيم.
أما بالنسبة للتقسيم فهو كل عملية تجزئة قطعة أرض الى مقاسم عددها 3 أو أكثر معدة بعد التهيئة لبناء محلات سكنية أو مهنية أو صناعية أو سياحية أو تجهيزات مشتركة اجتماعية وثقافية... وهذا التقسيم لا بد أولا أن يكون متفقا مع مثال التهيئة العمرانية من حيث خاصة الطرقات والمساحات الخضراء والتجهيزات الجماعية.
وقد ينبثق إشكال قانوني حول عدم تطابق مثال التهيئة العمرانية والمثال التقسيمي ضرورة أن كل من المثالين قابل للتعديل والمراجعة فهل أن تعديل مثال التهيئة العمرانية بما يصير طريقا عموميا في السابق ملكا خاصا يفقد هذا الطريق صبغته العمومية والحال أن الطريق مقتطع من عقار مسجل موضوع تقسيم مصادق عليه في السابق؟
لقد طرح هذا الموضوع أمام محكمة ناحية سوسة بمناسبة النظر في القضية الحوزية عدد 4423 الصادر فيها الحكم بتاريخ 13/6/1997 وقد تمثلت وقائعها في تظلم المدعية من مشاغبة المطلوب لها وذلك بوضع يده على عقارها المسجل واحداث متجر للصناعات التقليدية به بدون وجه حق وقد دفع المطلوب بأن الجزء محل النزاع ملك عمومي حسب المثال التقسيمي الذي وقع تطبيقه من قبل أحد الخبراء في قيس الأراضي والتمس الحكم بعدم سماع الدعوى وقد ارتأت المحكمة أن حجية المصادقة على المثال التقسيمي مطلقة في دمج المساحة في الملك العمومي رغم أن مثال التهيئة الجديد لمدينة سوسة قد تخلى عن هذه الطريق ولا يمكن الاستجابة بحال لطلب العارضة طالما لم تسع الى تعديل التقسيم إلى ما يتماشى ومثال التهيئة الجديد واعتبرت المحكمة بذلك أن كل من المصادقة على التقسيم أو المصادقة على مثال التهيئة العمرانية صك ناقل للملكية للمك العام مستقل الواحد عن الآخر.