قانون حفز المبادرة الاقتصادية وأفاق التشغيل
الأستاذ صالح الذهيبي
يطرح التشغيل نفسه كواحد من أهم الرهانات الحاضرة والمستقبلية بالنسبة لاقتصادنا الوطني.
فلقد أضحت قوة الاقتصاديات تقاس بمدى قدرتها على بلوغ هدف "التشغيل الكامل" وفي كل الحالات على التقليص من مستويات البطالة والتحكم في مساراتها في حدود معقولة يتيسر معه التنبؤ مسبقا بها.
ولقد كان لنشوء الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الراهنة وامتدادها لتشمل إضافة للاقتصاديات الغربية والآسيوية الصاعدة، البلدان الأشد فقرا في العالم، الأثر البالغ في تضاعف مستويات البطالة والازدياد المطرد لطالبي العمل في سوق الشغل العالمي، حيث سجلت نسبة البطالة مثلا في الولايات المتحدة 8,1 بالمائة في شهر جانفي 2009 مع تأكيد "منظمة العمل الدولية" في 06 مارس 2009 أن عدد طالبي الشغل في العالم قد تجاوز عتبة 52 مليون إنسان.
ولا يمكن لنا بأي حال أن نستثني بلدنا من المضاعفات السلبية المرتقبة من ذلك الوضع الاقتصادي العالمي الدقيق، وذلك بالنظر لحجم وطبيعة العلاقات الاقتصادية التي تجمعنا بشركائنا الرئيسيين (وبالخصوص منهم دول المجموعة الأوروبية)، على انه وبالرغم من كل ذلك بل وبسبب ذلك أيضا فإن كسب رهان التشغيل يحتل مكانة الصدارة على قائمة الأولويات الوطنية كما رتبها المخطط الحادي عشر للتنمية والبرنامج الرئاسي لتونس الغد، ولا يعد ذلك ممكنا إلا عبر تسريع نسق النمو وتعزيز وتيرة اندماج الاقتصاد الوطني في الدورة الاقتصادية العالمية.
ويندرج قانون 27 ديسمبر 2007 والمتعلق بحفز المبادرة الاقتصادية صلب سياق تشريعي عام ذو صبغة اقتصادية ما انفك منذ تسعينات القرن الفارط يبني منظومة متكاملة الملامح من القوانين المحفزة على بعث المشاريع والمؤسسات الجديدة وعلى تنشيط الحركة الاقتصادية والتصدير والاستثمار، وعلى خلق بيئة ومناخ أعمال متلائمة مع المتغيرات السياسية والاقتصادية الوطنية، الإقليمية والعالمية.
ويجوز لنا إذن أن نتساءل حول طبيعة الآليات التي اعتمدها قانون حفز المبادرة الاقتصادية لكسب رهان التشغيل؟ وذلك قبل تبيان درجة تأثيرها الفعلي في الحد من ظاهرة "البطالة" بعد مرور سنتين على دخولها حيز النفاذ؟
لا يجوز التطرق إلى آليات كسب رهان التشغيل على معنى قانون 27 ديسمبر 2007 قبل التعرض إلى ثلاثة مبادئ أساسية تقوم عليها سياسة "حفز المبادرة الاقتصادية":
1) تكريس "حرية الاستثمار كمبدأ والترخيص كاستثناء": ويهدف هذا المبدأ إلى حذف أو تعويض 90 بالمائة من التراخيص بكراسات شروط بموفى سنة 2009.
2) نشر ثقافة المبادرة الاقتصادية هي مسؤولية مشتركة لجميع الأطراف: فتعمل الدولة، مؤسسات التربية والتعليم العالي والبحث العلمي، المؤسسات الاقتصادية ووسائل الإعلام على ترسيخ ثقافة المبادرة الاقتصادية ونشرها وإذاعتها.
3) تكريس مكانة المؤسسة في الاقتصاد الوطني: وذلك باعتبارها الخلية الأساسية للاقتصاد الوطني وبالنظر لدورها الأساسي في دفع المبادرة وتناغما مع الهدف المعلن للبرنامج الرئاسي لتونس الغد في إحداث 14 ألف مؤسسة كمعدل سنوي للفترة 2005 -2009 .